ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ( 229 ) فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ( 230 )
هذه الآية الكريمة رافعة لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام ، من أن الرجل كان أحق برجعة امرأته ، وإن طلقها مائة مرة ما دامت في العدة ، فلما كان هذا فيه ضرر على الزوجات قصرهم الله عز وجل إلى ثلاث طلقات ، وأباح الرجعة في المرة والثنتين ، وأبانها بالكلية في الثالثة ، فقال : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
قال أبو داود ، رحمه الله ، في سننه : " باب في نسخ المراجعة بعد الطلقات الثلاث " : حدثنا أحمد بن محمد المروزي ، حدثني علي بن الحسين بن واقد ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن الآية : وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها ، وإن طلقها ثلاثا ، فنسخ ذلك فقال : الطلاق مرتان الآية .
ورواه عن النسائي زكريا بن يحيى ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن علي بن الحسين ، به .
[ ص: 611 ]
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا هارون بن إسحاق ، حدثنا عبدة يعني ابن سليمان ، عن أبيه ، أن رجلا قال لامرأته : لا أطلقك أبدا ولا آويك أبدا . قالت : وكيف ذلك ؟ قال : أطلقك ، حتى إذا دنا أجلك راجعتك . فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك فأنزل الله عز وجل : ( هشام بن عروة الطلاق مرتان
وهكذا رواه عن ابن جرير في تفسيره من طريق جرير بن عبد الحميد ، وابن إدريس . ورواه عبد بن حميد في تفسيره ، عن كلهم عن جعفر بن عون ، هشام ، عن أبيه . قال : الطلاق مرتان قال : فاستقبل الناس الطلاق ، من كان طلق ومن لم يكن طلق . كان الرجل أحق برجعة امرأته وإن طلقها ما شاء ، ما دامت في العدة ، وإن رجلا من الأنصار غضب على امرأته فقال : والله لا آويك ولا أفارقك . قالت : وكيف ذلك . قال : أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك ، ثم أطلقك ، فإذا دنا أجلك راجعتك . فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : (
وقد رواه أبو بكر بن مردويه ، من طريق محمد بن سليمان ، عن يعلى بن شبيب مولى الزبير عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة فذكره بنحو ما تقدم . ورواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن يعلى بن شبيب به . ثم رواه عن أبي كريب ، عن ابن إدريس ، عن هشام ، عن أبيه مرسلا . قال : هذا أصح . ورواه في مستدركه ، من طريق الحاكم عن يعقوب بن حميد بن كاسب ، يعلى بن شبيب به ، وقال صحيح الإسناد .
ثم قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا عن سلمة بن الفضل ، محمد بن إسحاق ، عن عن أبيه ، عن هشام بن عروة ، عائشة قالت : لم يكن للطلاق وقت ، يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ما لم تنقض العدة ، وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس فقال : والله لأتركنك لا أيما ولا ذات زوج ، فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها ، ففعل ذلك مرارا ، فأنزل الله عز وجل فيه : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فوقت الطلاق ثلاثا لا رجعة فيه بعد الثالثة ، حتى تنكح زوجا غيره . وهكذا روي عن قتادة مرسلا . وذكره السدي ، وابن زيد ، كذلك ، واختار أن هذا تفسير هذه الآية . وابن جرير
وقوله : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أي : إذا طلقتها واحدة أو اثنتين ، فأنت مخير فيها ما دامت عدتها باقية ، بين أن تردها إليك ناويا الإصلاح بها والإحسان إليها ، وبين أن تتركها حتى تنقضي عدتها ، فتبين منك ، وتطلق سراحها محسنا إليها ، لا تظلمها من حقها شيئا ، ولا [ ص: 612 ] تضار بها .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين ، فليتق الله في الثالثة ، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها أو يسرحها [ بإحسان ] فلا يظلمها من حقها شيئا .
وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا قراءة ، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ابن وهب ، أخبرني حدثني سفيان الثوري ، إسماعيل بن سميع ، قال : سمعت أبا رزين يقول : بمعروف أو تسريح بإحسان أين الثالثة ؟ قال : " التسريح بإحسان " . جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت قول الله عز وجل : فإمساك
ورواه عبد بن حميد في تفسيره ، ولفظه : أخبرنا يزيد بن أبي حكيم ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، أن أبا رزين الأسدي يقول : الطلاق مرتان " ، فأين الثالثة ؟ قال : " التسريح بإحسان الثالثة " . قال رجل : يا رسول الله ، أرأيت قول الله : "
ورواه الإمام أحمد أيضا . وهكذا رواه عن سعيد بن منصور ، عن خالد بن عبد الله ، إسماعيل بن زكريا عن وأبي معاوية ، إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين ، به . وكذا رواه قيس بن الربيع ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين به مرسلا . ورواه ابن مردويه [ أيضا ] من طريق عبد الواحد بن زياد ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . ثم قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد الرحيم ، حدثنا أحمد بن يحيى ، حدثنا عبيد الله بن جرير بن جبلة حدثنا ابن عائشة حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ذكر الله الطلاق مرتين ، فأين الثالثة ؟ قال : " إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " .
وقوله : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا [ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ] أي : لا [ ص: 613 ] يحل لكم أن تضاجروهن وتضيقوا عليهن ، ليفتدين منكم بما أعطيتموهن من الأصدقة أو ببعضه ، كما قال تعالى : ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) [ النساء : 19 ] فأما إن وهبته المرأة شيئا عن طيب نفس منها . فقد قال تعالى : ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) [ النساء : 4 ] وأما إذا تشاقق الزوجان ، ولم تقم المرأة بحقوق الرجل وأبغضته ولم تقدر على معاشرته ، فلها أن تفتدي منه بما أعطاها ، ولا حرج عليها في بذلها ، ولا عليه في قبول ذلك منها ; ولهذا قال تعالى : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به الآية .
فأما إذا لم يكن لها عذر وسألت الافتداء منه ، فقد قال ابن جرير :
حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الوهاب وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا قالا جميعا : حدثنا ابن علية أيوب ، عن أبي قلابة ، عمن حدثه ، عن ثوبان ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . " أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة "
وهكذا رواه الترمذي ، عن بندار ، عن به . وقال عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي حسن : قال : ويروى ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان . ورواه بعضهم ، عن أيوب بهذا الإسناد . ولم يرفعه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة قال : وذكر أبا أسماء وذكر ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة "
وهكذا رواه أبو داود ، وابن ماجه ، من حديث وابن جرير ، حماد بن زيد ، به .
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن ليث ، عن أبي إدريس ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : . وقال : " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس ، حرم الله عليها رائحة الجنة " . " المختلعات هن المنافقات "
ثم رواه ابن جرير جميعا ، عن والترمذي أبي كريب ، عن مزاحم بن ذواد بن علبة ، عن أبيه ، عن ليث ، هو ابن أبي سليم عن أبي الخطاب ، عن أبي زرعة ، عن أبي إدريس ، عن ثوبان قال :
[ ص: 614 ]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . ثم قال " المختلعات هن المنافقات " الترمذي : غريب من هذا الوجه ، وليس إسناده بالقوي .
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا حفص بن بشر ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن أشعث بن سوار ، عن الحسن عن ثابت بن يزيد ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غريب من هذا الوجه ضعيف . " إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات "
حديث آخر : قال ابن ماجه : حدثنا بكر بن خلف أبو بشر ، حدثنا أبو عاصم ، عن جعفر بن يحيى بن ثوبان ، عن عمه عمارة بن ثوبان ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . " لا تسأل امرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما "
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا أيوب ، عن الحسن عن عن النبي صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة ، . " المختلعات والمنتزعات هن المنافقات "
ثم قد قال طائفة كثيرة من السلف وأئمة الخلف : إنه ، فيجوز للرجل حينئذ قبول الفدية ، واحتجوا بقوله : ( لا يجوز الخلع إلا أن يكون الشقاق والنشوز من جانب المرأة ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا [ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ] . قالوا : فلم يشرع الخلع إلا في هذه الحالة ، فلا يجوز في غيرها إلا بدليل ، والأصل عدمه ، وممن ذهب إلى هذا ابن عباس ، وطاوس ، وإبراهيم ، [ وعطاء ، والحسن ] والجمهور ، حتى قال مالك : لو أخذ منها شيئا وهو مضار لها وجب رده إليها ، وكان الطلاق رجعيا . قال والأوزاعي مالك : وهو الأمر الذي أدركت الناس عليه . وذهب رحمه الله ، إلى أنه يجوز الخلع في حالة الشقاق ، وعند الاتفاق بطريق الأولى والأحرى ، وهذا قول جميع أصحابه قاطبة . وحكى الشيخ الشافعي ، أبو عمر بن عبد البر في كتاب " الاستذكار " له ، عن أنه ذهب إلى أن الخلع منسوخ بقوله : ( بكر بن عبد الله المزني ، وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) [ النساء : 20 ] . ورواه ابن جرير عنه وهذا قول ضعيف ومأخذ مردود على قائله . وقد ذكر ابن جرير ، رحمه الله ، أن هذه الآية نزلت في شأن وامرأته ثابت بن قيس بن شماس حبيبة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول . ولنذكر طرق حديثها ، واختلاف ألفاظه :
[ ص: 615 ]
قال الإمام مالك في موطئه : عن يحيى بن سعيد ، أنها أخبرته عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، حبيبة بنت سهل الأنصارية ، أنها كانت تحت وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد ثابت بن قيس بن شماس ، حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من هذه ؟ " قالت : أنا حبيبة بنت سهل . فقال : " ما شأنك ؟ " فقالت : لا أنا ولا لزوجها فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذه ثابت بن قيس حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر " . فقالت حبيبة : يا رسول الله ، كل ما أعطاني عندي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذ منها " . فأخذ منها وجلست في أهلها . عن
وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك بإسناده مثله . ورواه أبو داود ، عن القعنبي ، عن مالك . عن والنسائي ، محمد بن مسلمة ، عن ابن القاسم ، عن مالك به .
حديث آخر : عن عائشة : قال أبو داود : حدثنا وابن جرير محمد بن معمر ، حدثنا أبو عامر ، حدثنا أبو عمرو السدوسي ، عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة ، عائشة ، أن حبيبة بنت سهل كانت تحت فضربها فكسر نغضها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصبح فاشتكته إليه ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس ، ثابتا فقال : " خذ بعض مالها وفارقها " . قال : ويصلح ذلك يا رسول الله ؟ قال : " نعم " . قال : فإني أصدقتها حديقتين ، فهما بيدها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " خذهما وفارقها " . ففعل . عن
وهذا لفظ ابن جرير . وأبو عمرو السدوسي هو سعيد بن سلمة بن أبي الحسام .
حديث آخر فيه : عن ابن عباس رضي الله عنه :
قال : حدثنا البخاري أزهر بن جميل ، أخبرنا عبد الوهاب الثقفي ، حدثنا خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، ما أعتب عليه في خلق ولا دين ، ولكن أكره الكفر في الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتردين عليه حديقته ؟ " قالت : نعم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " ثابت بن قيس بن شماس . أن امرأة
وكذا رواه عن النسائي ، أزهر بن جميل بإسناده ، مثله . ورواه أيضا ، عن البخاري إسحاق الواسطي ، عن عن خالد هو ابن عبد الله الطحان ، عن خالد ، هو ابن مهران الحذاء ، عكرمة به ، [ ص: 616 ] نحوه .
وهكذا رواه أيضا من طرق ، عن البخاري أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، به . وفي بعضها أنها قالت : لا أطيقه ، تعني : بغضا . وهذا الحديث من أفراد من هذا الوجه . البخاري
ثم قال : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عكرمة ، أن جميلة رضي الله عنها . كذا قال ، والمشهور أن اسمها حبيبة [ كما تقدم ] .
قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره : حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا أزهر بن مروان الرقاشي ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أعتب على في دين ولا خلق ، ولكنني أكره الكفر بعد الإسلام ، لا أطيقه بغضا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تردين عليه حديقته ؟ " قالت : نعم ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد ثابت بن قيس بن شماس . أن
وهكذا رواه ابن ماجه عن أزهر بن مروان ، بإسناده مثله سواء ، وهو إسناد جيد مستقيم . ورواه أيضا أبو القاسم البغوي ، عن عبيد الله القواريري ، عن عبد الأعلى ، مثله ، لكن قال ابن جرير :
حدثنا ابن حميد ، حدثنا حدثنا يحيى بن واضح ، الحسين بن واقد ، عن ثابت ، عن عبد الله بن رباح عن جميلة بنت أبي ابن سلول : أنها كانت تحت فنشزت عليه ، فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ثابت بن قيس ،
قال يا جميلة ، ما كرهت من ثابت ؟ " قالت : والله ما كرهت منه دينا ولا خلقا ، إلا أني كرهت دمامته ! فقال لها : " أتردين الحديقة ؟ " قالت : نعم . فردت الحديقة ، وفرق بينهما . ابن جرير أيضا : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال : قرأت على فضيل ، عن أبي جرير أنه سأل عكرمة : هل كان للخلع أصل ؟ قال : كان ابن عباس يقول : إن أول خلع كان في الإسلام في أخت عبد الله بن أبي ، أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا ، إني رفعت جانب الخباء ، فرأيته أقبل في عدة ، فإذا هو أشدهم سوادا ، وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها . قال زوجها : يا رسول الله ، إني قد أعطيتها أفضل مالي ، حديقة لي ، فإن ردت علي حديقتي ؟ قال : " ما تقولين ؟ " قالت : نعم ، وإن شاء زدته . قال : ففرق بينهما .
[ ص: 617 ]
حديث آخر : قال ابن ماجه : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : حبيبة بنت سهل تحت وكان رجلا دميما ، فقالت : يا رسول الله ، والله لولا مخافة الله إذا دخل علي بصقت في وجهه ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتردين عليه حديقته ؟ " قالت : نعم . فردت عليه حديقته . قال ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس ، . كانت
وقد اختلف الأئمة ، رحمهم الله ، في أنه : هل يجوز للرجل أن يفاديها بأكثر مما أعطاها ؟ فذهب الجمهور إلى جواز ذلك ، لعموم قوله تعالى : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أخبرنا ابن علية ، أيوب ، عن كثير مولى سمرة : أن عمر أتي بامرأة ناشز ، فأمر بها إلى بيت كثير الزبل ، ثم دعا بها فقال : كيف وجدت ؟ فقالت : ما وجدت راحة منذ كنت عنده إلا هذه الليلة التي حبستني . فقال لزوجها : اخلعها ولو من قرطها ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن كثير مولى سمرة ، فذكر مثله ، وزاد : فحبسها فيه ثلاثة أيام .
قال عن سعيد بن أبي عروبة ، قتادة ، عن حميد بن عبد الرحمن : أن امرأة أتت فشكت زوجها ، فأباتها في بيت الزبل . فلما أصبحت قال لها : كيف وجدت مكانك ؟ قالت : ما كنت عنده ليلة أقر لعيني من هذه الليلة . فقال : خذ ولو عقاصها . عمر بن الخطاب ،
وقال : وأجاز البخاري عثمان الخلع دون عقاص رأسها .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن : أن عبد الله بن محمد بن عقيل حدثته قالت : كان لي زوج يقل علي الخير إذا حضرني ، ويحرمني إذا غاب عني . قالت : فكانت مني زلة يوما ، فقلت له : أختلع منك بكل شيء أملكه ؟ قال : نعم . قالت : ففعلت . قالت فخاصم عمي الربيع بنت معوذ بن عفراء إلى معاذ بن عفراء فأجاز الخلع ، وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه ، أو قالت : ما دون عقاص الرأس . عثمان بن عفان ،
ومعنى هذا : أنه يجوز أن يأخذ منها كل ما بيدها من قليل وكثير ، ولا يترك لها سوى عقاص شعرها . وبه يقولابن عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وإبراهيم النخعي ، وقبيصة بن ذؤيب ، والحسن بن صالح ، . وهذا مذهب وعثمان البتي مالك ، والليث ، والشافعي ، ، واختاره وأبي ثور ابن جرير .
[ ص: 618 ]
وقال أصحاب أبي حنيفة ، رحمهم الله : إن كان الإضرار من قبلها جاز أن يأخذ منها ما أعطاها ، ولا تجوز الزيادة عليه ، فإن ازداد جاز في القضاء : وإن كان الإضرار من جهته لم يجز أن يأخذ منها شيئا ، فإن أخذ جاز في القضاء .
وقال الإمام أحمد ، وأبو عبيد ، : لا يجوز أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها . وهذا قول وإسحاق ابن راهويه سعيد بن المسيب ، وعطاء ، ، وعمرو بن شعيب والزهري ، وطاوس ، والحسن ، والشعبي ، وحماد بن أبي سليمان ، . والربيع بن أنس
وقال معمر ، والحكم : كان علي يقول : لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها . وقال الأوزاعي : القضاة لا يجيزون أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها .
قلت : ويستدل لهذا القول بما تقدم من رواية قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قصة : فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها الحديقة ولا يزداد ، وبما روى ثابت بن قيس عبد بن حميد حيث قال : أخبرنا قبيصة ، عن سفيان ، عن عن ابن جريج ، عطاء : أن النبي صلى الله عليه وسلم كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها يعني المختلعة وحملوا معنى الآية على معنى فلا جناح عليهما فيما افتدت به أي : من الذي أعطاها ; لتقدم قوله : ( ولا [ يحل لكم أن ] تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به أي : من ذلك . وهكذا كان يقرؤها الربيع بن أنس : " فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه " رواه ابن جرير ; ولهذا قال بعده : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون