( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين ( 7 ) أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم ( 8 ) قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين ( 9 ) ) .
يقول تعالى مخبرا عن المشركين في كفرهم وعنادهم : أنهم إذا تتلى عليهم آيات الله بينات ، أي : في حال بيانها ووضوحها وجلائها ، يقولون : ( هذا سحر مبين ) أي : سحر واضح ، وقد كذبوا وافتروا وضلوا وكفروا ( أم يقولون افتراه ) يعنون : محمدا - صلى الله عليه وسلم - . قال الله [ تعالى ] ( قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا ) أي : لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني - وليس كذلك - لعاقبني أشد [ ص: 276 ] العقوبة ، ولم يقدر أحد من أهل الأرض ، لا أنتم ولا غيركم أن يجيرني منه ، كقوله : ( قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته ) [ الجن : 22 ، 23 ] ، وقال تعالى : ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل . لأخذنا منه باليمين . ثم لقطعنا منه الوتين . فما منكم من أحد عنه حاجزين ) [ الحاقة : 44 - 47 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم ) ، هذا تهديد لهم ، ووعيد أكيد ، وترهيب شديد .
وقوله : ( وهو الغفور الرحيم ) ترغيب لهم إلى ، أي : ومع هذا كله إن رجعتم وتبتم ، تاب عليكم وعفا عنكم ، وغفر [ لكم ] ورحم . وهذه الآية كقوله في سورة الفرقان : ( التوبة والإنابة وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا . قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما ) [ الفرقان : 5 ، 6 ] .
وقوله : ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) أي : لست بأول رسول طرق العالم ، بل قد جاءت الرسل من قبلي ، فما أنا بالأمر الذي لا نظير له حتى تستنكروني وتستبعدوا بعثتي إليكم ، فإنه قد أرسل الله قبلي جميع الأنبياء إلى الأمم .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) ما أنا بأول رسول . ولم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم غير ذلك .
وقوله : ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية : نزل بعدها ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) [ الفتح : 2 ] . وهكذا قال عكرمة ، والحسن ، وقتادة : إنها منسوخة بقوله : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) ، قالوا : ولما نزلت هذه الآية قال رجل من المسلمين : هذا قد بين الله ما هو فاعل بك يا رسول الله ، فما هو فاعل بنا ؟ فأنزل الله : ( ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات ) [ الفتح : 5 ] .
هكذا قال ، والذي هو ثابت في الصحيح أن المؤمنين قالوا : هنيئا لك يا رسول الله ، فما لنا ؟ فأنزل الله هذه الآية .
وقال الضحاك : ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) : ما أدري بماذا أومر ، وبماذا أنهى بعد هذا ؟
وقال أبو بكر الهذلي ، عن في قوله : ( الحسن البصري وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) قال : أما في الآخرة فمعاذ الله ، قد علم أنه في الجنة ، ولكن قال : لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا ، أخرج كما أخرجت الأنبياء [ من ] قبلي ؟ أم أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلي ؟ ولا أدري أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة ؟
وهذا القول هو الذي عول عليه ابن جرير ، وأنه لا يجوز غيره ، ولا شك أن هذا هو اللائق به ، صلوات الله وسلامه عليه ، فإنه بالنسبة إلى الآخرة جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه ، وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يئول إليه أمره وأمر مشركيقريش إلى ماذا : أيؤمنون أم يكفرون ، فيعذبون [ ص: 277 ] فيستأصلون بكفرهم ؟ فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد :
حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن شهاب عن ، عن خارجة بن زيد بن ثابت أم العلاء - وهي امرأة من نسائهم - أخبرته - وكانت بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - قالت : الأنصار على سكنى المهاجرين عثمان بن مظعون . فاشتكى عثمان عندنا فمرضناه ، حتى إذا توفي أدرجناه في أثوابه ، فدخل علينا رسول الله فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب ، شهادتي عليك ، لقد أكرمك الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وما يدريك أن الله أكرمه ؟ " فقلت : لا أدري بأبي أنت وأمي ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما هو فقد جاءه اليقين من ربه ، وإني لأرجو له الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ! " قالت : فقلت : والله لا أزكي أحدا بعده أبدا . وأحزنني ذلك ، فنمت فرأيت لعثمان عينا تجري ، فجئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ذاك عمله " . طار لهم في السكنى حين اقترعت
فقد انفرد بإخراجه دون البخاري مسلم ، وفي لفظ له : " " . وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ ، بدليل قولها : " فأحزنني ذلك " . وفي هذا وأمثاله دلالة على أنه ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به ، كالعشرة لا يقطع لمعين بالجنة إلا الذي نص الشارع على تعيينهم ، وابن سلام ، والغميصاء ، وبلال ، وسراقة ، والد وعبد الله بن عمرو بن حرام جابر ، والقراء السبعين الذين قتلوا ببئر معونة ، ، وزيد بن حارثة وجعفر ، ، وما أشبه هؤلاء . وابن رواحة
وقوله : ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) أي : إنما أتبع ما ينزله الله علي من الوحي ، ( وما أنا إلا نذير مبين ) أي : بين النذارة ، وأمري ظاهر لكل ذي لب وعقل .