( رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ( 83 ) واجعل لي لسان صدق في الآخرين ( 84 ) واجعلني من ورثة جنة النعيم ( 85 ) واغفر لأبي إنه كان من الضالين ( 86 ) ولا تخزني يوم يبعثون ( 87 ) يوم لا ينفع مال ولا بنون ( 88 ) إلا من أتى الله بقلب سليم ( 89 ) ) .
وهذا إبراهيم ، عليه السلام ، أن يؤتيه ربه حكما . سؤال من
قال ابن عباس : وهو العلم . وقال عكرمة : هو اللب . وقال مجاهد : هو القرآن . وقال : هو النبوة . وقوله : ( السدي وألحقني بالصالحين ) أي : اجعلني مع الصالحين في الدنيا والآخرة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند الاحتضار : قالها ثلاثا . وفي الحديث في الدعاء ] : " [ اللهم الرفيق الأعلى " . اللهم أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، غير خزايا ولا مبدلين "
وقوله : ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) أي : واجعل لي ذكرا جميلا بعدي أذكر به ، ويقتدى بي في الخير ، كما قال تعالى : ( وتركنا عليه في الآخرين . سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين ) [ الصافات : 108 - 110 ] .
قال مجاهد ، وقتادة : ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) يعني : الثناء الحسن . قال مجاهد : وهو كقوله تعالى : ( وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) [ العنكبوت : 27 ] ، وكقوله : ( وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) [ النحل : 122 ] .
قال ليث بن أبي سليم : كل ملة تحبه وتتولاه . وكذا قال عكرمة .
وقوله : ( واجعلني من ورثة جنة النعيم ) أي : أنعم علي في الدنيا ببقاء الذكر الجميل بعدي ، وفي الآخرة بأن تجعلني من ورثة جنة النعيم .
وقوله : ( واغفر لأبي إنه كان من الضالين ) كقوله : ( ربنا اغفر لي ولوالدي ) [ إبراهيم : 41 ] ، وهذا مما رجع عنه إبراهيم ، عليه السلام ، كما قال تعالى : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ) [ التوبة : 114 ] . [ ص: 148 ] وقد قطع [ الله ] تعالى الإلحاق في استغفاره لأبيه ، فقال : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ) [ الممتحنة : 4 ] .
وقوله : ( ولا تخزني يوم يبعثون ) أي : أجرني من الخزي يوم القيامة و [ يوم ] يبعث الخلائق أولهم وآخرهم .
قال في قوله : ( البخاري ولا تخزني يوم يبعثون ) وقال ، عن إبراهيم بن طهمان ابن أبي ذئب ، عن ، عن أبيه ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة " . " إن
حدثنا إسماعيل ، حدثنا أخي ، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة إبراهيم أباه ، فيقول : يا رب ، إنك وعدتني أنك لا تخزيني يوم يبعثون . فيقول الله : إني حرمت الجنة على الكافرين " . " يلقى
هكذا رواه عند هذه الآية . وفي أحاديث الأنبياء بهذا الإسناد بعينه منفردا به ، ولفظه : إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قترة وغبرة ، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك : لا تعصني فيقول أبوه : فاليوم لا أعصيك . فيقول إبراهيم : يا رب ، إنك وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين . ثم يقال : يا إبراهيم ، ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذبح متلطخ ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار . يلقى
وقال في التفسير من سننه الكبير قوله : ( أبو عبد الرحمن النسائي ولا تخزني يوم يبعثون ) : أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله ، حدثني أبي ، حدثني ، عن إبراهيم بن طهمان محمد بن عبد الرحمن ، عن ، عن أبيه ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي هريرة إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة ، وقال له : قد نهيتك عن هذا فعصيتني . قال : لكني اليوم لا أعصيك واحدة . قال : يا رب ، وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون ، فإن أخزيت أباه فقد أخزيت الأبعد . قال : يا إبراهيم ، إني حرمتها على الكافرين . فأخذ منه ، قال : يا إبراهيم ، أين أبوك؟ قال : أنت أخذته مني . قال : انظر أسفل منك . فنظر فإذا ذيخ يتمرغ في نتنه ، فأخذ بقوائمه فألقي في النار . " إن
[ ص: 149 ]
هذا إسناد غريب ، وفيه نكارة .
والذيخ : هو الذكر من الضباع ، كأنه حول آزر إلى صورة ذيخ متلطخ بعذرته ، فيلقى في النار كذلك .
وقد رواه البزار من حديث حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن ، عن محمد بن سيرين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه غرابة . ورواه أيضا من حديث أبي هريرة قتادة ، عن جعفر بن عبد الغافر ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وقوله : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون ) أي : لا يقي المرء من عذاب الله ماله ، ولو افتدى بملء الأرض ذهبا : ( ولا بنون ) ولو افتدى بمن في الأرض جميعا ، ولا ينفع يومئذ إلا الإيمان بالله ، وإخلاص الدين له ، والتبري من الشرك; ولهذا قال : ( إلا من أتى الله بقلب سليم ) أي : سالم من الدنس والشرك .
قال : القلب السليم أن يعلم أن الله حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور . محمد بن سيرين
وقال ابن عباس : ( إلا من أتى الله بقلب سليم ) حيي يشهد أن لا إله إلا الله .
وقال مجاهد ، والحسن ، وغيرهما : ( بقلب سليم ) يعني : من الشرك .
وقال : القلب السليم : هو القلب الصحيح ، وهو قلب المؤمن; لأن قلب [ الكافر و ] المنافق مريض ، قال الله : ( سعيد بن المسيب في قلوبهم مرض ) [ البقرة : 10 ] .
وقال أبو عثمان النيسابوري : هو القلب الخالي من البدعة ، المطمئن إلى السنة .