( فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ( 24 ) وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ( 25 ) )
( فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ( 26 ) ) [ ص: 224 ] .
قرأ بعضهم ) من تحتها ) بمعنى الذي تحتها . وقرأ آخرون : ( من تحتها ) على أنه حرف جر .
واختلف المفسرون في المراد بذلك من هو ؟ فقال العوفي وغيره ، عن ابن عباس : ( فناداها من تحتها ) جبريل ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها ، وكذا قال سعيد بن جبير ، والضحاك ، وعمرو بن ميمون ، والسدي ، وقتادة : إنه الملك جبريل عليه الصلاة والسلام ، أي : ناداها من أسفل الوادي .
وقال مجاهد : ( فناداها من تحتها ) قال : عيسى ابن مريم ، وكذا قال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة قال : قال الحسن : هو ابنها . وهو إحدى الروايتين عن سعيد بن جبير : أنه ابنها ، قال : أولم تسمع الله يقول : ( فأشارت إليه ) [ مريم : 29 ] ؟ واختاره ابن زيد ، في تفسيره وابن جرير
وقوله : ( ألا تحزني ) أي : ناداها قائلا لا تحزني ، ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال سفيان الثوري وشعبة ، عن أبي إسحاق ، عن : ( البراء بن عازب قد جعل ربك تحتك سريا ) قال : الجدول . وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : السري : النهر . وبه قال عمرو بن ميمون : نهر تشرب منه .
وقال مجاهد : هو النهر بالسريانية .
وقال سعيد بن جبير : السري : النهر الصغير بالنبطية .
وقال الضحاك : هو النهر الصغير بالسريانية .
وقال : هو النهر الصغير . إبراهيم النخعي
وقال قتادة : هو الجدول بلغة أهل الحجاز .
وقال : وهب بن منبه السري : هو ربيع الماء .
وقال : هو النهر ، واختار هذا القول السدي ابن جرير . وقد ورد في ذلك حديث مرفوع ، فقال : الطبراني
حدثنا أبو شعيب الحراني : حدثنا حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي أيوب بن نهيك ، سمعت يقول : سمعت عكرمة مولى ابن عباس ابن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لمريم : ( قد جعل ربك تحتك سريا ) نهر أخرجه الله لتشرب منه " وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه . " إن السري الذي قال الله وأيوب بن نهيك هذا هو الحبلي قال فيه : ضعيف . وقال أبو حاتم الرازي أبو زرعة : منكر الحديث . وقال : متروك الحديث . أبو الفتح الأزدي
[ ص: 225 ]
وقال آخرون : المراد بالسري : عيسى ، عليه السلام ، وبه قال الحسن ، ، والربيع بن أنس . وهو إحدى الروايتين عن ومحمد بن عباد بن جعفر قتادة ، وقول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، والقول الأول أظهر ; ولهذا قال بعده : ( وهزي إليك بجذع النخلة ) أي : وخذي إليك بجذع النخلة . قيل : كانت يابسة ، قاله ابن عباس . وقيل : مثمرة . قال مجاهد : كانت عجوة . وقال الثوري ، عن أبي داود نفيع الأعمى : كانت صرفانة
والظاهر أنها كانت شجرة ، ولكن لم تكن في إبان ثمرها ، قاله ; ولهذا امتن عليها بذلك ، أن جعل عندها طعاما وشرابا ، فقال : ( وهب بن منبه تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا ) أي : طيبي نفسا; ولهذا قال عمرو بن ميمون : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب ، ثم تلا هذه الآية الكريمة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا شيبان ، حدثنا مسرور بن سعيد التميمي حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن عروة بن رويم ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علي بن أبي طالب آدم عليه السلام ، وليس من الشجر شيء يلقح غيرها " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكرموا عمتكم النخلة ، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه ، وليس من الشجرة شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها أطعموا نساءكم الولد الرطب ، فإن لم يكن رطب فتمر مريم بنت عمران " . "
هذا حديث منكر جدا ، ورواه أبو يعلى ، عن شيبان ، به
وقرأ بعضهم قوله : " تساقط " بتشديد السين ، وآخرون بتخفيفها ، وقرأ أبو نهيك : ( تساقط عليك رطبا جنيا ) وروى أبو إسحاق عن البراء : أنه قرأها : " تساقط " أي : الجذع . والكل متقارب .
وقوله : ( فإما ترين من البشر أحدا ) أي : مهما رأيت من أحد ، ( فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) المراد بهذا القول : الإشارة إليه بذلك . لا أن المراد به القول اللفظي ; لئلا ينافي : ( فلن أكلم اليوم إنسيا )
قال أنس بن مالك في قوله : ( إني نذرت للرحمن صوما ) أي : صمتا وكذا قال ابن عباس ، والضحاك . وفي رواية عن أنس : " صوما وصمتا " ، وكذا قال قتادة وغيرهما .
والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام ، نص على ذلك السدي ، [ ص: 226 ] وقتادة ، . وعبد الرحمن بن زيد
وقال أبو إسحاق ، عن حارثة قال : كنت عند ابن مسعود ، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر ، فقال : ما شأنك ؟ قال أصحابه : حلف ألا يكلم الناس اليوم . فقال : كلم الناس وسلم عليهم ، فإنما تلك امرأة علمت أن أحدا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج . يعني بذلك عبد الله بن مسعود مريم ، عليها السلام; ليكون عذرا لها إذا سئلت . ورواه ابن أبي حاتم ، ، رحمهما الله . وابن جرير
وقال عبد الرحمن بن زيد : لما قال عيسى لمريم : ( ألا تحزني ) قالت : وكيف لا أحزن وأنت معي ؟ ! لا ذات زوج ولا مملوكة ، أي شيء عذري عند الناس ؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ، قال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام : ( فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) قال : هذا كله من كلام عيسى لأمه . وكذا قال وهب .