قوله تعالى : فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين
قوله تعالى : فاذكروني أذكركم أمر وجوابه ، وفيه معنى المجازاة فلذلك جزم . . وسمي الذكر باللسان ذكرا لأنه دلالة على الذكر القلبي ، غير أنه لما كثر إطلاق الذكر على القول اللساني صار هو السابق للفهم . وأصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له
ومعنى الآية : اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة ، قاله سعيد بن جبير . وقال أيضا : الذكر طاعة الله ، فمن لم يطعه لم يذكره وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : من أطاع الله فقد ذكر الله وإن أقل صلاته وصومه وصنيعه للخير ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثر صلاته وصومه وصنيعه للخير ، ذكره أبو عبد الله محمد بن خويز منداد في " أحكام القرآن " له . وقال أبو عثمان النهدي : إني لأعلم الساعة التي يذكرنا الله فيها ، قيل له : ومن أين تعلمها ؟ قال يقول الله عز وجل : فاذكروني أذكركم . وقال : ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله عز وجل ، لا يذكره مؤمن إلا ذكره الله برحمته ، ولا يذكره كافر إلا ذكره الله بعذاب . وسئل السدي أبو عثمان فقيل له : نذكر الله ولا نجد في قلوبنا حلاوة ؟ فقال : احمدوا الله تعالى على أن زين جارحة من جوارحكم بطاعته . وقال رحمه الله : من ذكر الله تعالى ذكرا على الحقيقة نسي في جنب ذكره كل شيء ، حفظ الله عليه كل شيء ، وكان له عوضا من كل شيء . وقال ذو النون المصري معاذ بن جبل رضي الله عنه : ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله . والأحاديث في فضل الذكر وثوابه كثيرة خرجها الأئمة . روى ابن ماجه عن عبد الله بن بسر . وخرج عن أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شرائع الإسلام قد [ ص: 161 ] كثرت علي فأنبئني منها بشيء أتشبث به ، قال : لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة . وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان عند قوله تعالى : إن الله عز وجل يقول أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وأن المراد ذكر القلب الذي يجب استدامته في عموم الحالات .
قوله تعالى : واشكروا لي ولا تكفرون قال الفراء يقال : شكرتك وشكرت لك ، ونصحتك ونصحت لك ، والفصيح الأول . والشكر معرفة الإحسان والتحدث به ، وأصله في اللغة الظهور ، وقد تقدم . ، فشكر العبد لله تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه ، إلا أن شكر العبد نطق باللسان وإقرار بالقلب بإنعام الرب مع الطاعات . وشكر الحق سبحانه للعبد ثناؤه عليه بطاعته له
قوله تعالى : ولا تكفرون نهي ، ولذلك حذفت منه نون الجماعة ، وهذه نون المتكلم . وحذفت الياء لأنها رأس آية ، وإثباتها أحسن في غير القرآن ، أي لا تكفروا نعمتي وأيادي . فالكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب . وقد مضى القول في الكفر لغة ، ومضى القول في معنى الاستعانة بالصبر والصلاة ، فلا معنى للإعادة .