ثم قال : خلق وهو جواب الاستفهام من ماء دافق أي من المني . والدفق : صب الماء ، دفقت الماء أدفقه دفقا : صببته ، فهو ماء دافق ، أي مدفوق ، كما قالوا : سر كاتم : أي مكتوم ; لأنه من قولك : دفق الماء ، على ما لم يسم فاعله . ولا يقال : دفق الماء . ويقال : دفق الله روحه : إذا دعا عليه بالموت . قال الفراء : من ماء دافق أي مصبوب في الرحم ، والأخفش الزجاج : من ماء ذي اندفاق . يقال : دارع وفارس ونابل أي ذو فرس ، ودرع ، ونبل . وهذا مذهب . فالدافق هو المندفق بشدة قوته . وأراد ماءين : ماء الرجل وماء المرأة ; لأن الإنسان مخلوق منهما ، لكن جعلهما ماء واحدا لامتزاجهما . وعن سيبويه عكرمة عن ابن عباس : دافق لزج .
يخرج أي هذا الماء من بين الصلب أي الظهر . وفيه لغات أربع : صلب ، وصلب - وقرئ بهما - وصلب ( بفتح اللام ) ، وصالب ( على وزن قالب ) ومنه قول العباس :
تنقل من صالب إلى رحم [ إذا مضى عالم بدا طبق ]
والترائب أي الصدر ، الواحدة : تريبة وهي موضع القلادة من الصدر . قال [ امرؤ القيس ] :مهفهفة بيضاء غير مفاضة ترائبها مصقولة كالسجنجل
فإن تدبروا نأخذكم في ظهوركم وإن تقبلوا نأخذكم في الترائب
وبدت كأن ترائبا من نحرها جمر الغضى في ساعد تتوقد
والزعفران على ترائبها شرق به اللبات والنحر
نظام در على ترائبها
وقال : ذو الرمةضرجن البرود عن ترائب حرة [ وعن أعين قتلننا كل مقتل ]
قال الشاعر [ الأغلب العجلي ] :
أشرف ثدياها على التريب [ لم يعدوا التفليك في النتوب ]
ومن ذهب يسن على تريب كلون العاج ليس بذي غضون
[ ص: 8 ] وقيل : إن ماء الرجل ينزل من الدماغ ، ثم يجتمع في الأنثيين . وهذا لا يعارض قوله : من بين الصلب ; لأنه إن نزل من الدماغ ، فإنما يمر بين الصلب والترائب . وقال قتادة : المعنى ويخرج من صلب الرجل وترائب المرأة . وحكى الفراء أن مثل هذا يأتي عن العرب وعليه فيكون معنى من بين الصلب : من الصلب . وقال الحسن : المعنى : يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل ، ومن صلب المرأة وترائب المرأة . ثم إنا نعلم أن النطفة من جميع أجزاء البدن ولذلك يشبه الرجل والديه كثيرا . وهذه . وأيضا المكثر من الجماع يجد وجعا في ظهره وصلبه وليس ذلك إلا لخلو صلبه عما كان محتبسا من الماء . وروى الحكمة في غسل جميع الجسد من خروج المني إسماعيل عن أهل مكة يخرج من بين الصلب بضم اللام . ورويت عن عيسى الثقفي . حكاه المهدوي وقال : من جعل المني يخرج من بين صلب الرجل وترائبه ، فالضمير في يخرج للماء . ومن جعله من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، فالضمير للإنسان . وقرئ ( الصلب ) ، بفتح الصاد واللام . وفيه أربع لغات : صلب وصلب وصلب وصالب . قال العجاج :
في صلب مثل العنان المؤدم
وفي مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ] : للعباس بن عبد المطلبتنقل من صالب إلى رحم
الأبيات مشهورة معروفة .إنه أي إن الله - جل ثناؤه - على رجعه أي على رد الماء في الإحليل ، لقادر كذا قال مجاهد والضحاك . وعنهما أيضا أن المعنى : إنه على رد الماء في الصلب وقاله عكرمة . وعن الضحاك أيضا أن المعنى : إنه على رد الإنسان ماء كما كان لقادر . وعنه أيضا أن المعنى : إنه على رد الإنسان من الكبر إلى الشباب ، ومن الشباب إلى الكبر ، لقادر . وكذا في المهدوي . وفي الماوردي والثعلبي : إلى الصبا ، ومن الصبا إلى النطفة . وقال ابن زيد : إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج ، لقادر . وقال ابن عباس وقتادة والحسن وعكرمة أيضا : إنه على رد الإنسان بعد الموت لقادر . وهو اختيار الطبري . الثعلبي : وهو الأقوى لقوله تعالى : يوم تبلى السرائر قال : ويحتمل أنه على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه في الآخرة ; لأن الكفار يسألون الله تعالى فيها الرجعة . الماوردي