ألم نجعل الأرض مهادا دلهم على قدرته على البعث ; أي قدرتنا على إيجاد هذه الأمور أعظم من قدرتنا على الإعادة . والمهاد : الوطاء والفراش . وقد قال تعالى : قوله تعالى : الذي جعل لكم الأرض فراشا وقرئ مهدا . ومعناه أنها لهم كالمهد للصبي ، وهو ما يمهد له فينوم عليه والجبال أوتادا أي لتسكن ولا تتكفأ ولا تميل بأهلها .
وخلقناكم أزواجا أي أصنافا : ذكرا وأنثى . وقيل : ألوانا . وقيل : يدخل في هذا كل زوج [ ص: 150 ] من قبيح وحسن ، وطويل وقصير ; لتختلف الأحوال فيقع الاعتبار ، فيشكر الفاضل ويصبر المفضول .
وجعلنا نومكم جعلنا معناه صيرنا ; ولذلك تعدت إلى مفعولين . سباتا المفعول الثاني ، أي راحة لأبدانكم ، ومنه يوم السبت أي يوم الراحة ; أي قيل لبني إسرائيل : استريحوا في هذا اليوم ، فلا تعملوا فيه شيئا . وأنكر ابن الأنباري هذا وقال : لا يقال للراحة سبات . وقيل : أصله التمدد ; يقال : سبتت المرأة شعرها : إذا حلته وأرسلته ، فالسبات كالمد ، ورجل مسبوت الخلق : أي ممدود . وإذا أراد الرجل أن يستريح تمدد ، فسميت الراحة سبتا . وقيل : أصله القطع ; يقال : سبت شعره سبتا : حلقه ; وكأنه إذا نام انقطع عن الناس وعن الاشتغال ، فالسبات يشبه الموت ، إلا أنه لم تفارقه الروح . ويقال : سير سبت : أي سهل لين ; قال الشاعر [ حميد بن ثور ] :
ومطوية الأقراب أما نهارها فسبت وأما ليلها فذميل
وجعلنا الليل لباسا أي تلبسكم ظلمته وتغشاكم ; قاله الطبري . وقال ابن جبير أي سكنا لكم . والسدي :وجعلنا النهار معاشا فيه إضمار ، أي وقت معاش ، أي متصرفا لطلب المعاش وهو كل ما يعاش به من المطعم والمشرب وغير ذلك ف " معاشا " على هذا اسم زمان ، ليكون الثاني هو الأول . ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى العيش على تقدير حذف المضاف .
وبنينا فوقكم سبعا شدادا أي سبع سماوات محكمات ; أي محكمة الخلق وثيقة البنيان .
وجعلنا سراجا وهاجا أي وقادا وهي الشمس . وجعل هنا بمعنى خلق ; لأنها تعدت لمفعول واحد والوهاج الذي له وهج ; يقال : وهج يهج وهجا ووهجا ووهجانا . ويقال للجوهر إذا تلألأ توهج . وقال ابن عباس : وهاجا منيرا متلألئا .
وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا قال مجاهد وقتادة : والمعصرات الرياح . وقاله ابن عباس : كأنها تعصر السحاب . وعن ابن عباس أيضا : أنها السحاب . وقال سفيان والربيع وأبو العالية والضحاك : أي السحائب التي تنعصر بالماء ولما تمطر بعد ، كالمرأة المعصر التي قد دنا حيضها ولم تحض ، قال أبو النجم :
تمشي الهوينى مائلا خمارها قد أعصرت أو قد دنا إعصارها
فكان مجني دون من كنت أتقي ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
وذي أشر كالأقحوان يزينه ذهاب الصبا والمعصرات الروائح
جارية بسفوان دارها تمشي الهوينى ساقطا خمارها
قد أعصرت أو قد دنا إعصارها
والجمع : معاصر ، ويقال : هي التي قاربت الحيض ; لأن الإعصار في الجارية كالمراهقة في الغلام . سمعته من أبي الغوث الأعرابي . قال غيره : والمعصر السحابة التي حان لها أن تمطر ; يقال أجن الزرع فهو مجن : أي صار إلى أن يجن ، وكذلك السحاب إذا صار إلى أن يمطر فقد أعصر . وقال المبرد : يقال سحاب معصر أي ممسك للماء ، ويعتصر منه شيء بعد شيء ، ومنه العصر بالتحريك للملجأ الذي يلجأ إليه ، والعصرة بالضم أيضا الملجأ . وقد مضى هذا المعنى في سورة ( يوسف ) والحمد لله . وقال أبو زبيد :صاديا يستغيث غير مغاث ولقد كان عصرة المنجود
فثج أعلاه ثم ارتج أسفله وضاق ذرعا بحمل الماء منصاح
قوله تعالى : لنخرج به أي بذلك الماء حبا كالحنطة والشعير وغير ذلك ونباتا من الأب ، وهو ما تأكله الدواب من الحشيش .
قوله تعالى : وجنات أي بساتين ألفافا أي ملتفة بعضها ببعض لتشعب أغصانها ، ولا واحد له كالأوزاع والأخياف . وقيل : واحد الألفاف لف بالكسر ولف بالضم . ذكره الكسائي ، قال :
جنة لف وعيش مغدق وندامى كلهم بيض زهر