الحزم والقوة خير من الإدهان والفهة والهاع
وأدهن وداهن واحد . وقال قوم : داهنت بمعنى واريت وأدهنت بمعنى غششت . وقال الضحاك : مدهنون معرضون . مجاهد : ممالئون الكفار على الكفر به . ابن كيسان : المدهن : الذي لا يعقل ما حق الله عليه ، ويدفعه بالعلل . وقال بعض اللغويين : مدهنون تاركون للجزم في قبول القرآن .وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال قوله تعالى : ابن عباس : تجعلون شكركم التكذيب . وذكر الهيثم بن عدي : أن من لغة أزد شنوءة ما رزق فلان ؟ أي : ما شكره . وإنما صلح أن يوضع اسم الرزق مكان شكره ، لأن فيكون الشكر رزقا على هذا المعنى . فقيل : شكر الرزق يقتضي الزيادة فيه وتجعلون رزقكم أي : شكر رزقكم الذي لو وجد منكم لعاد رزقا لكم أنكم تكذبون بالرزق أي : تضعوا الرزق مكان الشكر ، كقوله تعالى : وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية أي : لم يكونوا يصلون ولكنهم كانوا يصفرون ويصفقون مكان الصلاة . ففيه بيان أن ما أصاب العباد من خير فلا ينبغي أن يروه من قبل الوسائط التي جرت العادة بأن تكن أسبابا ، بل ينبغي أن يروه من قبل الله تعالى ، ثم يقابلونه بشكر إن كان نعمة ، أو صبر إن كان مكروها تعبدا له وتذللا . وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وعن أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : " وتجعلون شكركم أنكم تكذبون " حقيقة ابن عباس [ ص: 207 ] أيضا : أن المراد به ، وهو قول العرب : الاستسقاء بالأنواء ، رواه مطرنا بنوء كذا علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : فلا أقسم بمواقع النجوم حتى بلغ : وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون . وعنه أيضا مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ، قالوا : هذه رحمة الله ، وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا ، قال : فنزلت هذه الآية : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فعطشوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أرأيتم إن دعوت الله لكم فسقيتم لعلكم تقولون : هذا المطر بنوء كذا فقالوا : يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء . فصلى ركعتين ، ودعا ربه ، فهاجت ريح ، ثم هاجت سحابة ، فمطروا ، فمر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عصابة من أصحابه برجل يغترف بقدح له وهو يقول : سقينا بنوء كذا ، ولم يقل هذا من رزق الله فنزلت : وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون أي : شكركم لله على رزقه إياكم أنكم تكذبون بالنعمة وتقولون : سقينا بنوء كذا ، كقولك : جعلت إحساني إليك إساءة منك إلي ، وجعلت إنعامي لديك أن اتخذتني عدوا . وفي الموطإ عن زيد بن خالد الجهني أنه قال : بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس وقال : أتدرون ماذا قال ربكم قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكوكب ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك مؤمن بالكوكب كافر بي . قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح رحمه الله : لا أحب أحدا أن يقول مطرنا بنوء كذا وكذا ، وإن كان النوء عندنا الوقت المخلوق لا يضر ولا ينفع ، ولا يمطر ولا يحبس شيئا من المطر ، والذي أحب أن يقول : مطرنا وقت كذا ، كما تقول مطرنا شهر كذا ، ومن الشافعي ، وهو يريد أن النوء أنزل الماء ، كما عنى بعض أهل الشرك من الجاهلية بقوله فهو كافر ، حلال دمه إن لم يتب . وقال قال : مطرنا بنوء كذا أبو عمر بن عبد البر : وأما قوله عليه الصلاة والسلام حاكيا عن الله سبحانه : فمعناه عندي على وجهين ؛ أما أحدهما : فإن أصبح من [ ص: 208 ] عبادي مؤمن بي وكافر ، وهو المنشئ للسحاب دون الله عز وجل فذلك كافر كفرا صريحا يجب استتابته عليه وقتله إن أبى ؛ لنبذه الإسلام ورده القرآن . والوجه الآخر أن يعتقد أن النوء ينزل الله به الماء ، وأنه سبب الماء على ما قدره الله وسبق في علمه ، وهذا وإن كان وجها مباحا ، فإن فيه أيضا كفرا بنعمة الله عز وجل ، وجهلا بلطيف حكمته في أنه ينزل الماء متى شاء ، مرة بنوء كذا ، ومرة بنوء كذا ، وكثيرا ما ينوء النوء فلا ينزل معه شيء من الماء ، وذلك من الله تعالى لا من النوء . وكذلك كان المعتقد بأن النوء هو الموجب لنزول الماء يقول إذا أصبح وقد مطر : مطرنا بنوء الفتح ، ثم يتلو : أبو هريرة ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها قال أبو عمر : وهذا عندي نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : . ومن هذا الباب قول مطرنا بفضل الله ورحمته عمر بن الخطاب حين استسقى به : يا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم بقي من نوء الثريا ؟ فقال العباس : العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعا بعد سقوطها . فما مضت سابعة حتى مطروا ، فقال عمر : الحمد لله هذا بفضل الله ورحمته . وكان للعباس بن عبد المطلب عمر رحمه الله قد علم أن نوء الثريا وقت يرجى فيه المطر ويؤمل فسأله عنه ، أخرج أم بقيت منه بقية ؟ . وروى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا في بعض أسفاره يقول : مطرنا ببعض عثانين الأسد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبت بل هو سقيا الله عز وجل قال سفيان : عثانين الأسد الذراع والجبهة . وقراءة العامة تكذبون من التكذيب . وقرأ المفضل عن عاصم ويحيى بن وثاب " تكذبون " بفتح التاء مخففا . ومعناه ما قدمناه من قول من قال : مطرنا بنوء كذا . وثبت من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ، ولفظ ثلاث لن يزلن في أمتي : التفاخر في الأحساب ، والنياحة ، والأنواء مسلم في هذا . أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة
قوله تعالى : فلولا إذا بلغت الحلقوم أي : فهلا إذا بلغت النفس أو الروح الحلقوم . ولم يتقدم لها ذكر ، لأن المعنى معروف .
قال حاتم : [ ص: 209 ]
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
وأنتم حينئذ تنظرون أمري وسلطاني . وقيل : تنظرون إلى الميت لا تقدرون له على شيء . وقال ابن عباس : يريد من حضر من أهل الميت ينتظرون متى تخرج نفسه . ثم قيل : هو رد عليهم في قولهم لإخوانهم لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا أي : فهل ردوا روح الواحد منهم إذا بلغت الحلقوم . وقيل المعنى : فهلا إذا بلغت نفس أحدكم الحلقوم عند النزع وأنتم حضور - أمسكتم روحه في جسده ، مع حرصكم على امتداد عمره ، وحبكم لبقائه . وهذا رد لقولهم : نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر . وقيل : هو خطاب لمن هو في النزع ، أي : إن لم يك ما بك من الله فهلا حفظت على نفسك الروح .
ونحن أقرب إليه منكم أي : بالقدرة والعلم والرؤية . قال عامر بن عبد القيس : ما نظر إلى شيء إلا رأيت الله تعالى أقرب إلي منه . وقيل : أراد ورسلنا الذين يتولون قبضه أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون أي : لا ترونهم .
قوله تعالى : فلولا إن كنتم غير مدينين أي : فهلا إن كنتم غير محاسبين ولا مجزيين بأعمالكم ، ومنه قوله تعالى : أإنا لمدينون أي : مجزيون محاسبون . وقد تقدم . وقيل : غير مملوكين ولا مقهورين . قال الفراء وغيره : دنته ملكته ، وأنشد للحطيئة :
لقد دينت أمر بنيك حتى تركتهم أدق من الطحين
إن كنتم صادقين أي : ولن ترجعوها فبطل زعمكم أنكم غير مملوكين ولا محاسبين . وترجعونها جواب لقوله تعالى : فلولا إذا بلغت الحلقوم ولقوله : فلولا إن كنتم غير مدينين أجيبا بجواب واحد ؛ قاله الفراء . وربما أعادت العرب الحرفين ومعناهما واحد ، ومنه قوله تعالى : فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أجيبا بجواب واحد وهما شرطان . وقيل : حذف أحدهما لدلالة الآخر عليه . وقيل : فيها تقديم [ ص: 210 ] وتأخير ، مجازها : فلولا وهلا إن كنتم غير مدينين ترجعونها ، تردون نفس هذا الميت إلى جسده إذا بلغت الحلقوم .