مكية في قول الحسن وعكرمة وجابر . وقال وعطاء ابن قتادة : إلا آية منها نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى : وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون . وقال الكلبي : مكية إلا أربع آيات ، منها آيتان أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون نزلتا في سفره إلى مكة ، وقوله تعالى : ثلة من الأولين وثلة من الآخرين نزلتا في سفره إلى المدينة . وقال مسروق : من أراد أن يعلم نبأ الأولين والآخرين ، ونبأ أهل الجنة ، ونبأ أهل النار ، ونبأ أهل الدنيا ، ونبأ أهل الآخرة ، فليقرأ سورة الواقعة . وذكر أبو عمر بن عبد البر في ( التمهيد ) و ( التعليق ) والثعلبي أيضا : أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده في مرضه الذي مات فيه فقال : ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي . قال : فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي . قال : أفلا ندعو لك طبيبا ؟ قال : الطبيب أمرضني . قال : أفلا نأمر لك بعطاء لك ؟ قال : لا حاجة لي فيه ، حبسته عني في حياتي ، وتدفعه لي عند مماتي ؟ قال : يكون لبناتك من بعدك . قال : أتخشى على بناتي الفاقة من بعدي ؟ إني أمرتهن أن يقرأن سورة ( الواقعة ) كل ليلة ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا .
[ ص: 177 ] بسم الله الرحمن الرحيم
إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا
إذا وقعت الواقعة أي قامت القيامة ، والمراد النفخة الأخيرة . وسميت واقعة لأنها تقع عن قرب . وقيل : لكثرة ما يقع فيها من الشدائد . وفيه إضمار ، أي : اذكروا إذا وقعت الواقعة . وقال قوله تعالى : الجرجاني : " إذا " صلة ، أي وقعت الواقعة ، كقوله : اقتربت الساعة و أتى أمر الله وهو كما يقال : قد جاء الصوم أي دنا واقترب . وعلى الأول " إذا " للوقت ، والجواب قوله : فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة .
ليس لوقعتها كاذبة الكاذبة مصدر بمعنى الكذب ، والعرب قد تضع الفاعل والمفعول موضع المصدر ، كقوله تعالى : لا تسمع فيها لاغية أي لغوا ، والمعنى لا يسمع لها كذب ؛ قاله الكسائي . ومنه قول العامة : عائذا بالله أي معاذ الله ، وقم قائما أي قم قياما . ولبعض نساء العرب ترقص ابنها :
قم قائما قم قائما أصبت عبدا نائما
وقيل : الكاذبة صفة والموصوف محذوف ، أي ليس لوقعتها حال كاذبة ، أو نفس كاذبة ، أي كل من يخبر عن وقعتها صادق . وقال الزجاج : ليس لوقعتها كاذبة أي لا يردها شيء . ونحوه قول الحسن وقتادة . وقال الثوري : ليس لوقعتها أحد يكذب بها . وقال الكسائي أيضا : ليس لها تكذيب ، أي ينبغي ألا يكذب بها أحد . وقيل : إن قيامها جد لا هزل فيه .خافضة رافعة قال قوله تعالى : عكرمة ومقاتل : خفضت الصوت فأسمعت من دنا ورفعت من نأى ، يعني أسمعت القريب والبعيد . وقال والسدي : خفضت المتكبرين ورفعت المستضعفين . وقال السدي قتادة : خفضت أقواما في عذاب الله ، ورفعت أقواما إلى طاعة الله . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : خفضت أعداء الله في النار ، ورفعت أولياء الله في الجنة . وقال محمد بن كعب : خفضت أقواما كانوا في الدنيا مرفوعين ، ورفعت أقواما كانوا في [ ص: 178 ] الدنيا مخفوضين . وقال ابن عطاء : خفضت أقواما بالعدل ، ورفعت آخرين بالفضل . والخفض والرفع يستعملان عند العرب في المكان والمكانة ، والعز والمهانة . ونسب سبحانه الخفض والرفع للقيامة توسعا ومجازا على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل والزمان وغيرهما مما لم يكن منه الفعل ، يقولون : ليل نائم ونهار صائم . وفي التنزيل : بل مكر الليل والنهار والخافض والرافع على الحقيقة إنما هو الله وحده ، فرفع أولياءه في أعلى الدرجات ، وخفض أعداءه في أسفل الدركات . وقرأ الحسن " خافضة رافعة " بالنصب . الباقون بالرفع على إضمار مبتدإ ، ومن نصب فعلى الحال . وهو عند وعيسى الثقفي الفراء على إضمار فعل ، والمعنى : إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة وقعت خافضة رافعة . والقيامة لا شك في وقوعها ، وأنها ترفع أقواما وتضع آخرين على ما بيناه .
إذا رجت الأرض رجا أي زلزلت وحركت عن قوله تعالى : مجاهد وغيره ، يقال : رجه يرجه رجا أي حركه وزلزله . وناقة رجاء أي عظيمة السنام . وفي الحديث : من ركب البحر حين يرتج فلا ذمة له يعني إذا اضطربت أمواجه . قال الكلبي : وذلك أن الله تعالى إذا أوحى إليها اضطربت فرقا من الله تعالى . قال المفسرون : ترتج كما يرتج الصبي في المهد حتى ينهدم كل ما عليها ، وينكسر كل شيء عليها من الجبال وغيرها . وعن ابن عباس : الرجة الحركة الشديدة يسمع لها صوت . وموضع " إذا " نصب على البدل من " إذا وقعت " . ويجوز أن ينتصب ب خافضة رافعة أي تخفض وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال ، لأن عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ، ويرتفع ما هو منخفض . وقيل : أي وقعت الواقعة إذا رجت الأرض ؛ قاله الزجاج والجرجاني . وقيل : أي : اذكر إذا رجت الأرض رجا مصدر وهو دليل على تكرير الزلزلة .
وبست الجبال بسا أي فتتت ، عن قوله تعالى : ابن عباس . مجاهد : كما يبس الدقيق أي يلت . والبسيسة السويق أو الدقيق يلت بالسمن أو بالزيت ثم يؤكل ولا يطبخ وقد يتخذ زادا . قال الراجز :
لا تخبزا خبزا وبسا بسا ولا تطيلا بمناخ حبسا
فكانت هباء منبثا قال قوله تعالى : علي رضي الله عنه : الهباء الرهج الذي يسطع من حوافر الدواب ثم يذهب ، فجعل الله أعمالهم كذلك . وقال مجاهد : الهباء هو الشعاع الذي يكون في الكوة كهيئة الغبار . وروي نحوه عن ابن عباس . وعنه أيضا : هو ما تطاير من النار إذا اضطربت يطير منها شرر فإذا وقع لم يكن شيئا . وقاله عطية . وقد مضى في ( الفرقان ) عند قوله تعالى : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا وقراءة العامة منبثا بالثاء المثلثة أي متفرقا من قوله تعالى : وبث فيها من كل دابة أي فرق ونشر . وقرأ مسروق والنخعي وأبو حيوة " منبتا " بالتاء المثناة أي منقطعا من قولهم : بته الله أي قطعه ، ومنه البتات .