قوله تعالى : ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين قال رب انصرني على القوم المفسدين ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون .
[ ص: 314 ] قوله تعالى : ولوطا إذ قال لقومه قال الكسائي : المعنى : وأنجينا لوطا أو : أرسلنا لوطا قال : وهذا الوجه أحب إلي . ويجوز أن يكون المعنى : واذكر لوطا إذ قال لقومه موبخا أو محذرا إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ( أئنكم ) تقدم القراءة في هذا وبيانها في سورة ( الأعراف ) . وتقدم قصة لوط وقومه في ( الأعراف ) و ( هود ) أيضا . وتقطعون السبيل قيل : كانوا قطاع الطريق ; قاله ابن زيد . وقيل : كانوا يأخذون الناس من الطرق لقضاء الفاحشة ; حكاه ابن شجرة . وقيل : إنه قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال . قال أي استغنوا بالرجال عن النساء . وهب بن منبه
قلت : ولعل الجميع كان فيهم فكانوا يقطعون الطريق لأخذ الأموال والفاحشة ويستغنون عن النساء بذلك وتأتون في ناديكم المنكر النادي : المجلس . واختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه ; فقالت فرقة : كانوا يخذفون النساء بالحصى ، ويستخفون بالغريب والخاطر عليهم . وروته أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم . أم هانئ : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل : وتأتون في ناديكم المنكر قال : كانوا يخذفون من يمر بهم ويسخرون منه فذلك المنكر الذي كانوا يأتونه أخرجه قالت أبو داود الطيالسي في مسنده ، وذكره النحاس والثعلبي والمهدوي ، وذكر والماوردي الثعلبي قال معاوية قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن قوم لوط كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل قصعة فيها الحصى للخذف فإذا مر بهم عابر قذفوه فأيهم أصابه كان أولى به يعني يذهب به للفاحشة فذلك قوله : [ ص: 315 ] وتأتون في ناديكم المنكر وقالت عائشة وابن عباس والقاسم بن أبي بزة : إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم . وقال والقاسم بن محمد منصور عن مجاهد كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضا . وعن مجاهد : كان من أمرهم لعب الحمام وتطريف الأصابع بالحناء والصفير والخذف ونبذ الحياء في جميع أمورهم . قال ابن عطية : وقد توجد هذه الأمور في بعض عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ; فالتناهي واجب قال مكحول : في هذه الأمة عشرة من : مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء وحل الإزار وتنقيض الأصابع والعمامة التي تلف حول الرأس والتشابك ورمي الجلاهق والصفير والخذف واللوطية . وعن أخلاق قوم لوط ابن عباس قال : إن قوم لوط كانت فيهم ذنوب غير الفاحشة ، منها : أنهم يتظالمون فيما بينهم ، ويشتم بعضهم بعضا ، ويتضارطون في مجالسهم ، ويخذفون ، ويلعبون بالنرد والشطرنج ، ويلبسون المصبغات ، ويتناقرون بالديكة ، ويتناطحون بالكباش ، ويطرفون أصابعهم بالحناء ، وتتشبه الرجال بلباس النساء والنساء بلباس الرجال ، ويضربون المكوس على كل عابر ، ومع هذا كله كانوا يشركون بالله ، وهم فلما وقفهم أول من ظهر على أيديهم اللوطية والسحاق لوط عليه السلام على هذه القبائح رجعوا إلى التكذيب واللجاج ، فقالوا ائتنا بعذاب الله أي إن ذلك لا يكون ولا يقدر عليه . وهم لم يقولوا هذا إلا وهم مصممون على اعتقاد كذبه . وليس يصح في الفطرة أن يكون معاند يقول هذا . ثم استنصر لوط عليه السلام ربه فبعث عليهم ملائكة لعذابهم ، فجاءوا إبراهيم أولا مبشرين بنصرة لوط على قومه حسبما تقدم بيانه في ( هود ) وغيرها وقرأ الأعمش ويعقوب وحمزة : والكسائي لننجينه وأهله بالتخفيف . وشدد الباقون وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة : ( إنا منجوك وأهلك ) بالتخفيف . وشدد الباقون وهما لغتان : أنجى ونجى بمعنى ، وقد تقدم وقرأ والكسائي ابن عامر : إنا منزلون بالتشديد . وهي قراءة ابن عباس الباقون بالتخفيف . وقوله ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون قال : قتادة : هي الحجارة التي أبقيت وقال أبو العالية وقيل : إنه يرجم بها قوم من هذه الأمة وقال ابن عباس : هي آثار منازلهم الخربة وقال مجاهد : هو الماء الأسود على وجه الأرض . وكل ذلك باق فلا تعارض .