[ ص: 203 ] قوله تعالى : فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم
فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : فإن لم تجدوا فيها أحدا الضمير في تجدوا فيها للبيوت التي هي بيوت الغير . وحكى الطبري ، عن مجاهد أنه قال : معنى قوله : فإن لم تجدوا فيها أحدا أي لم يكن لكم فيها متاع . وضعف الطبري هذا التأويل ، وكذلك هو في غاية الضعف ؛ وكأن رأى أن مجاهدا إذا كان للداخل فيها متاع . ورأى لفظة ( المتاع ) متاع البيت ، الذي هو البسط والثياب ؛ وهذا كله ضعيف . والصحيح أن هذه الآية مرتبطة بما قبلها والأحاديث ؛ التقدير : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا ، فإن أذن لكم فادخلوا وإلا فارجعوا ؛ كما فعل - عليه السلام - مع البيوت غير المسكونة إنما تدخل دون إذن سعد ، وأبو موسى مع عمر - رضي الله عنهما - . فإن لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم فلا تدخلوها حتى تجدوا إذنا . وأسند الطبري ، عن قتادة قال : قال رجل من المهاجرين : لقد طلبت عمري هذه الآية فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع فأرجع وأنا مغتبط ؛ لقوله تعالى : هو أزكى لكم .
الثانية : سواء كان الباب مغلقا أو مفتوحا ؛ لأن الشرع قد أغلقه بالتحريم للدخول حتى يفتحه الإذن من ربه ، بل يجب عليه أن يأتي الباب ويحاول الإذن على صفة لا يطلع منه على البيت لا في إقباله ولا في انقلابه . فقد روى علماؤنا عن عمر بن الخطاب أنه قال : ( من ملأ عينيه من قاعة بيت فقد فسق ) وروي في الصحيح عن سهل بن سعد إنما جعل الله الإذن من أجل البصر . وروي عن أن رجلا اطلع في جحر في باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدرى يرجل به رأسه ؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : . لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح
[ ص: 204 ] الثالثة : إذا ثبت أن فإنه يجوز من الصغير والكبير . وقد كان الإذن شرط في دخول المنزل أنس بن مالك دون البلوغ يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك الصحابة مع أبنائهم وغلمانهم - رضي الله عنهم - . وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر السورة إن شاء الله تعالى .
الرابعة : والله بما تعملون عليم توعد لأهل التجسس على البيوت ، وطلب الدخول على غفلة للمعاصي ، والنظر إلى ما لا يحل ولا يجوز ، ولغيرهم ممن يقع في محظور .