[ ص: 343 ] قوله تعالى : سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم الضمير في سيقولون يراد به أهل التوراة ومعاصري محمد - صلى الله عليه وسلم - . وذلك أنهم اختلفوا في أهل الكهف هذا الاختلاف المنصوص . وقيل : المراد به عدد النصارى ; فإن قوما منهم حضروا النبي - صلى الله عليه وسلم - من نجران فجرى ذكر أصحاب الكهف فقالت اليعقوبية : كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم . وقالت النسطورية : كانوا خمسة سادسهم كلبهم . وقال المسلمون : كانوا سبعة ثامنهم كلبهم . وقيل : هو إخبار عن اليهود الذين أمروا المشركين بمسألة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أصحاب الكهف . والواو في قوله وثامنهم كلبهم طريق النحويين أنها واو عطف دخلت في آخر إخبار عن عددهم ; لتفصل أمرهم ، وتدل على أن هذا غاية ما قيل ، ولو سقطت لصح الكلام . وقالت فرقة منها ابن خالويه : هي واو الثمانية . وحكى الثعلبي عن أن أبي بكر بن عياش قريشا كانت تقول في عددها ستة سبعة وثمانية ; فتدخل الواو في الثمانية . وحكى نحوه القفال ، فقال : إن قوما قالوا العدد ينتهي عند العرب إلى سبعة ، فإذا احتيج إلى الزيادة عليها استؤنف خبر آخر بإدخال الواو ، كقوله التائبون العابدون - ثم قال - والناهون عن المنكر والحافظون . يدل عليه أنه لما ذكر أبواب جهنم حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها بلا واو ، ولما ذكر الجنة قال : وفتحت أبوابها بالواو . وقال خيرا منكن مسلمات ثم قال وأبكارا فالسبعة نهاية العدد عندهم كالعشرة الآن عندنا . قال : ومثل هذا الكلام تحكم ، ومن أين السبعة نهاية عندهم ثم هو منقوض بقوله - تعالى - : القشيري أبو نصر هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ولم يذكر الاسم الثامن بالواو . وقال قوم ممن صار إلى أن عددهم سبعة : إنما ذكر الواو في قوله سبعة وثامنهم لينبه على أن هذا العدد هو الحق ، وأنه مباين للأعداد الأخر التي قال فيها أهل الكتاب ; ولهذا قال - تعالى - في الجملتين المتقدمتين رجما بالغيب ولم يذكره في الجملة الثالثة ولم يقدح فيها بشيء ; فكأنه قال لنبيه هم سبعة وثامنهم كلبهم . والرجم : القول بالظن ; يقال لكل ما يخرص : رجم فيه ومرجوم ومرجم ; كما قال :
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم
قلت : قد ذكر الماوردي والغزنوي : وقال ابن جريج كانوا ثمانية ، [ ص: 344 ] وجعلا قوله - تعالى - ومحمد بن إسحاق وثامنهم كلبهم أي صاحب كلبهم . وهذا مما يقوي طريق النحويين في الواو ، وأنها كما قالوا . وقال القشيري : لم يذكر الواو في قوله : رابعهم سادسهم ، ولو كان بالعكس لكان جائزا ، فطلب الحكمة والعلة في مثل هذه الواو تكلف بعيد ، وهو كقوله في موضع آخر وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم . وفي موضع آخر : إلا لها منذرون ذكرى .
قوله تعالى : قل ربي أعلم بعدتهم أمر الله - تعالى - نبيه - عليه السلام - في هذه الآية أن يرد علم عدتهم إليه - عز وجل - . ثم أخبر أن عالم ذلك من البشر قليل . والمراد به قوم من أهل الكتاب ; في قول عطاء . وكان ابن عباس يقول : أنا من ذلك القليل ، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم ، ثم ذكر السبعة بأسمائهم ، والكلب اسمه قطمير كلب أنمر ، فوق القلطي ودون الكردي . وقال محمد بن سعيد بن المسيب : هو كلب صيني . والصحيح أنه زبيري . وقال : ما بقي بنيسابور محدث إلا كتب عني هذا الحديث إلا من لم يقدر له . قال : وكتبه أبو عمرو الحيري عني .
قوله تعالى : فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا أي لا تجادل في أصحاب الكهف إلا بما أوحيناه إليك ; وهو رد علم عدتهم إلى الله - تعالى - . وقيل : معنى المراء الظاهر أن تقول : ليس كما تقولون ، ونحو هذا ، ولا تحتج على أمر مقدر في ذلك . وفي هذا دليل على أن الله - تعالى - لم يبين لأحد عددهم فلهذا قال إلا مراء ظاهرا أي ذاهبا ; كما قال :
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
ولم يبح له في هذه الآية أن يماري ; ولكن قوله إلا مراء استعارة من حيث يماريه أهل الكتاب . سميت مراجعته لهم مراء ثم قيد بأنه ظاهر ; ففارق المراء الحقيقي المذموم . والضمير في قوله فيهم عائد على أهل الكهف . وقوله : فلا تمار فيهم يعني في عدتهم ; وحذفت العدة لدلالة ظاهر القول عليها .
قوله تعالى : ولا تستفت فيهم منهم أحدا روي أنه - عليه السلام - سأل نصارى نجران عنهم فنهي عن السؤال . والضمير في قوله منهم عائد على أهل الكتاب المعارضين . وفي هذا دليل على منع المسلمين من . مراجعة أهل الكتاب في شيء من العلم