فيه ثلاثون مسألة :
الأولى : قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء خص الله سبحانه بعض الناس بالأموال دون بعض نعمة منه عليهم ، وجعل شكر ذلك منهم إخراج سهم يؤدونه إلى من لا مال له ، نيابة عنه سبحانه فيما ضمنه بقوله : وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها .
الثانية : قوله تعالى ( للفقراء ) تبيين لمصارف الصدقات والمحل ، حتى لا تخرج عنهم . ثم الاختيار إلى من يقسم ، هذا قول مالك وأصحابهما . كما يقال : السرج للدابة والباب للدار . وقال وأبي حنيفة : اللام لام التمليك ، كقولك : المال لزيد وعمرو وبكر ، فلا بد من التسوية بين المذكورين . قال الشافعي وأصحابه : وهذا كما لو أوصى لأصناف معينين أو لقوم معينين . واحتجوا بلفظة ( إنما ) وأنها تقتضي الحصر في وقوف الصدقات على الثمانية الأصناف وعضدوا هذا بحديث الشافعي زياد بن الحارث الصدائي قال : صداء المطاع في قومه . قال : قلت : بل من الله عليهم وهداهم ، قال : ثم جاءه رجل يسأله عن الصدقات ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لم يرض في الصدقات بحكم نبي ولا غيره حتى جزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من أهل تلك الأجزاء أعطيتك رواه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبعث إلى قومي جيشا فقلت : يا رسول الله : احبس جيشك فأنا لك بإسلامهم وطاعتهم ، وكتبت إلى قومي فجاء إسلامهم وطاعتهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أخا أبو داود . واللفظ والدارقطني . وحكي عن للدارقطني زين العابدين أنه قال : إنه تعالى علم قدر ما يدفع من الزكاة وما تقع به الكفاية لهذه الأصناف ، وجعله حقا لجميعهم ، فمن منعهم ذلك فهو الظالم لهم رزقهم . وتمسك علماؤنا بقوله تعالى : إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم . والصدقة متى أطلقت في القرآن فهي صدقة الفرض . وقال صلى الله عليه وسلم : . وهذا نص في ذكر أحد الأصناف الثمانية قرآنا وسنة ، وهو قول أمرت أن آخذ الصدقة من [ ص: 96 ] أغنيائكم وأردها على فقرائكم عمر بن الخطاب وعلي وابن عباس وحذيفة . وقال به من التابعين جماعة . قالوا : جائز أن يدفعها إلى الأصناف الثمانية ، جاز . روى وإلى أي صنف منها دفعت عن المنهال بن عمرو زر بن حبيش عن حذيفة في قوله : إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال : إنما ذكر الله هذه الصدقات لتعرف ، وأي صنف منها أعطيت أجزأك . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال : في أيها وضعت أجزأ عنك . وهو قول الحسن وإبراهيم وغيرهما . قال الكيا الطبري : حتى ادعى مالك الإجماع على ذلك .
قلت : يريد إجماع الصحابة ، فإنه لا يعلم لهم مخالف منهم على ما قال أبو عمر ، والله أعلم . : والذي جعلناه فيصلا بيننا وبينهم أن الأمة اتفقت على أنه لو أعطي كل صنف حظه لم يجب تعميمه ، فكذلك تعميم الأصناف مثله . والله أعلم . ابن العربي
الثالثة : واختلف علماء اللغة وأهل الفقه في على تسعة أقوال : فذهب الفرق بين الفقير والمسكين يعقوب بن السكيت والقتبي ويونس بن حبيب إلى أن الفقير أحسن حالا من المسكين . قالوا : الفقير هو الذي له بعض ما يكفيه ويقيمه ، والمسكين الذي لا شيء له ، واحتجوا بقول الراعي :
أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد
وذهب إلى هذا قوم من أهل اللغة والحديث منهم أبو حنيفة والقاضي عبد الوهاب ، والوفق من الموافقة بين الشيئين كالالتحام ، يقال : حلوبته وفق عياله أي لها لبن قدر كفايتهم لا فضل فيه ، عن الجوهري . وقال آخرون بالعكس ، فجعلوا المسكين أحسن حالا من الفقير . واحتجوا بقوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر . فأخبر أن لهم سفينة من سفن البحر . وربما ساوت جملة من المال . وعضدوه بما روي عن . وروي عنه أنه قال : النبي صلى الله عليه وسلم أنه تعوذ من الفقر . فلو كان المسكين [ ص: 97 ] أسوأ حالا من الفقير لتناقض الخبران ، إذ يستحيل أن يتعوذ من الفقر ثم يسأل ما هو أسوأ حالا منه ، وقد استجاب الله دعاءه وقبضه وله مال مما أفاء الله عليه ، ولكن لم يكن معه تمام الكفاية ، ولذلك رهن درعه . قالوا : وأما بيت الراعي فلا حجة فيه ؛ لأنه إنما ذكر أن الفقير كانت له حلوبة في حال . قالوا : والفقير معناه في كلام العرب المفقور الذي نزعت فقره من ظهره من شدة الفقر فلا حال أشد من هذه . وقد أخبر الله عنهم بقوله : اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا لا يستطيعون ضربا في الأرض . واستشهدوا بقول الشاعر :لما رأى لبد النسور تطايرت رفع القوادم كالفقير الأعزل
قلت : ظاهر اللفظ يدل على أن المسكين غير الفقير ، وأنهما صنفان ، إلا أن أحد الصنفين أشد حاجة من الآخر ، فمن هذا الوجه يقرب قول من جعلهما صنفا واحدا ، والله أعلم . ولا حجة في قول من احتج بقوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين لأنه يحتمل أن تكون مستأجرة لهم ، كما يقال : هذه دار فلان إذا كان ساكنها وإن كانت لغيره . وقد قال تعالى في وصف أهل النار : ولهم مقامع من حديد فأضافها إليهم . وقال تعالى : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم . وقال صلى الله عليه وسلم : " من باع عبدا وله مال " وهو كثير جدا يضاف الشيء [ ص: 98 ] إليه وليس له . ومنه قولهم : باب الدار . وجل الدابة ، وسرج الفرس ، وشبهه . ويجوز أن يسموا مساكين على جهة الرحمة والاستعطاف ، كما يقال لمن امتحن بنكبة أو دفع إلى بلية ؛ مسكين . وفي الحديث : " مساكين أهل النار " وقال الشاعر :
مساكين أهل الحب حتى قبورهم عليها تراب الذل بين المقابر
إذا أردت شريف القوم كلهم فانظر إلى ملك في زي مسكين
ذاك الذي عظمت في الله رغبته وذاك يصلح للدنيا وللدين
قلت : وهذا القول عكس ما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو ، وسأله رجل فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال له عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها ؟ قال نعم . قال : ألك مسكن تسكنه ؟ قال نعم . قال : فأنت من الأغنياء . قال : فإن لي خادما قال : فأنت من الملوك . وقول سادس : روي عن ابن عباس قال : الفقراء من المهاجرين ، والمساكين من الأعراب الذين لم يهاجروا وقاله الضحاك . وقول سابع : وهو أن المسكين الذي يخشع ويستكن وإن لم يسأل . والفقير الذي يتحمل ويقبل الشيء سرا ولا يخشع ، [ ص: 99 ] قاله عبيد الله بن الحسن . وقول ثامن قاله مجاهد وعكرمة - المساكين الطوافون ، والفقراء فقراء المسلمين . وقول تاسع قاله والزهري عكرمة أيضا - أن الفقراء فقراء المسلمين ، والمساكين فقراء أهل الكتاب . وسيأتي .
الرابعة : وهي فائدة الخلاف في الفقراء والمساكين ، هل هما صنف واحد أو أكثر تظهر فيمن ، فمن قال هما صنف واحد قال : يكون لفلان نصف الثلث وللفقراء والمساكين نصف الثلث الثاني . ومن قال هما صنفان يقسم الثلث بينهم أثلاثا . أوصى بثلث ماله لفلان وللفقراء والمساكين
الخامسة : وقد اختلف العلماء في - بعد إجماع أكثر من يحفظ عنه من أهل العلم - أن من له دار وخادم لا يستغني عنهما أن له أن يأخذ من الزكاة ، وللمعطي أن يعطيه . وكان حد الفقر الذي يجوز معه الأخذ مالك يقول : إن لم يكن في ثمن الدار والخادم فضلة عما يحتاج إليه منهما جاز له الأخذ وإلا لم يجز ، ذكره ابن المنذر . وبقول مالك قال النخعي . وقال والثوري أبو حنيفة : . فاعتبر النصاب لقوله عليه السلام : من معه عشرون دينارا أو مائتا درهم فلا يأخذ من الزكاة . وهذا واضح ، ورواه أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم المغيرة عن مالك . وقال الثوري وأحمد وإسحاق وغيرهم : لا يأخذ من له خمسون درهما أو قدرها من الذهب ، ولا يعطى منها أكثر من خمسين درهما إلا أن يكون غارما ، قاله أحمد وإسحاق . وحجة هذا القول ما رواه عن الدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عبد الله بن مسعود . في إسناده لا تحل الصدقة لرجل له خمسون درهما عبد الرحمن بن إسحاق ضعيف ، وعنه بكر بن خنيس ضعيف أيضا . ورواه حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ، وقال : خمسون درهما وحكيم بن جبير ضعيف تركه شعبة وغيره ، قال رحمه الله . وقال الدارقطني أبو عمر : هذا الحديث يدور على حكيم بن جبير وهو متروك . وعن علي وعبد الله قالا : لا تحل من الذهب ، ذكره الصدقة لمن له خمسون درهما أو قيمتها وقال الدارقطني : لا يأخذ من له أربعون درهما . ورواه الحسن البصري الواقدي عن مالك . وحجة هذا القول ما رواه [ ص: 100 ] عن الدارقطني قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : عبد الله بن مسعود . وفي حديث من سأل الناس وهو غني جاء يوم القيامة وفي وجهه كدوح وخدوش . فقيل : يا رسول الله وما غناؤه ؟ قال : أربعون درهما مالك عن عن زيد بن أسلم عن رجل من عطاء بن يسار بني أسد فقال النبي صلى الله عليه وسلم : . والمشهور عن من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا والأوقية أربعون درهما مالك ما رواه ابن القاسم عنه أنه سئل : هل يعطى من الزكاة من له أربعون درهما ؟ قال نعم . قال أبو عمر : يحتمل أن يكون الأول قويا على الاكتساب حسن التصرف . والثاني ضعيفا عن الاكتساب ، أو من له عيال . والله أعلم . وقال الشافعي . من كان قويا على الكسب والتحرف مع قوة البدن وحسن التصرف حتى يغنيه ذلك عن الناس فالصدقة عليه حرام . واحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وأبو ثور رواه لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي عبد الله بن عمر ، وأخرجه أبو داود والترمذي . وروى والدارقطني جابر قال : أخرجه جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة فركبه الناس ، فقال : إنها لا تصلح لغني ولا لصحيح ولا لعامل . وروى الدارقطني أبو داود عن قال : عبيد الله بن عدي بن الخيار ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب . ولأنه قد صار غنيا بكسبه كغنى غيره بماله فصار كل واحد منهما غنيا عن [ ص: 101 ] المسألة . وقاله أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها ، فرفع فينا النظر وخفضه ، فرآنا جلدين فقال : إن شئتما أعطيتكما ابن خويزمنداد ، وحكاه عن المذهب . وهذا لا ينبغي أن يعول عليه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطيها الفقراء ووقوفها على الزمن باطل . قال أبو عيسى الترمذي في جامعه : إذا كان الرجل قويا محتاجا ولم يكن عنده شيء فتصدق عليه أجزأ عن المتصدق عند أهل العلم . ووجه الحديث عند بعض أهل العلم على المسألة . وقال الكيا الطبري : والظاهر يقتضي جواز ذلك ؛ لأنه فقير مع قوته وصحة بدنه . وبه قال أبو حنيفة وأصحابه . وقال عبيد الله بن الحسن : من لا يكون له ما يكفيه ويقيمه سنة فإنه يعطى الزكاة . وحجته ما رواه ابن شهاب عن عن مالك بن أوس بن الحدثان عمر بن الخطاب ووجدك عائلا فأغنى . وقال بعض أهل العلم : لكل واحد أن يأخذ من الصدقة فيما لا بد له منه . وقال قوم : من عنده عشاء ليلة فهو غني وروي عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخر مما أفاء الله عليه قوت سنة ، ثم يجعل ما سوى ذلك في الكراع والسلاح مع قوله تعالى : علي . واحتجوا بحديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أخرجه من سأل مسألة عن ظهر غنى استكثر بها من رضف جهنم . قالوا : يا رسول الله ، وما ظهر الغنى ؟ قال : عشاء ليلة وقال : في إسناده الدارقطني عمرو بن خالد وهو متروك . وأخرجه أبو داود عن سهل بن الحنظلية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه : - وقال من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار النفيلي في موضع آخر : من جمر جهنم - فقالوا : يا رسول الله وما يغنيه ؟ - وقال النفيلي في موضع آخر : - وقال وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة - قال : قدر ما يغديه ويعشيه النفيلي في موضع آخر : أن يكون له شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم .
قلت : فهذا ما جاء في بيان الفقر الذي يجوز معه الأخذ . ومطلق لفظ الفقراء لا يقتضي الاختصاص بالمسلمين دون أهل الذمة ، ولكن تظاهرت الأخبار في أن الصدقات تؤخذ من أغنياء المسلمين فترد في فقرائهم . وقال عكرمة : الفقراء فقراء المسلمين ، والمساكين فقراء أهل الكتاب . وقال أبو بكر العبسي : رأى عمر بن الخطاب ذميا مكفوفا [ ص: 102 ] مطروحا على باب المدينة فقال له عمر : ما لك ؟ قال : استكروني في هذه الجزية ، حتى إذا كف بصري تركوني وليس لي أحد يعود علي بشيء . فقال عمر : ما أنصفت إذا ، فأمر له بقوته وما يصلحه . ثم قال : هذا من الذين قال الله تعالى فيهم : إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية . وهم زمنى أهل الكتاب
ولما قال تعالى : إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية ، وقابل الجملة بالجملة وهي جملة الصدقة بجملة المصرف بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ،لمعاذ حين أرسله إلى اليمن : أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم . فاختص أهل كل بلد بزكاة بلده . وروى فقال أبو داود أن زيادا أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين على الصدقة ، فلما رجع قال لعمران : أين المال ؟ قال : وللمال أرسلتني! أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى الدارقطني والترمذي عن أبيه قال : قدم علينا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا فكنت غلاما يتيما فأعطاني منها قلوصا عون بن أبي جحيفة . قال عن الترمذي : وفي الباب عن ابن عباس حديث ابن أبي جحيفة حديث حسن .
السادسة : وقد اختلفت العلماء في على ثلاثة أقوال الأول : لا تنقل ، قاله نقل الزكاة عن موضعها سحنون وابن القاسم ، وهو الصحيح لما ذكرناه . قال ابن القاسم أيضا : وإن نقل بعضها لضرورة رأيته صوابا . وروي عن سحنون أنه قال : ولو بلغ الإمام أن ببعض البلاد حاجة شديدة جاز له نقل بعض الصدقة المستحقة لغيره إليه ، فإن الحاجة إذا نزلت وجب تقديمها على من ليس بمحتاج . والقول الثاني : تنقل . وقاله والمسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه مالك أيضا . وحجة هذا القول ما روي أن معاذا قال لأهل اليمن : ايتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير في الصدقة فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة . أخرجه وغيره . والخميس لفظ مشترك ، وهو هنا الثوب طوله خمسة أذرع . ويقال : سمي بذلك لأن أول من عمله الخمس ملك من ملوك الدارقطني اليمن ، ذكره [ ص: 103 ] في المجمل ابن فارس والجوهري أيضا . وفي هذا الحديث دليلان : أحدهما : ما ذكرناه من نقل الزكاة من اليمن إلى المدينة ، فيتولى النبي صلى الله عليه وسلم قسمتها . ويعضد هذا قوله تعالى : إنما الصدقات للفقراء ولم يفصل بين فقير بلد وفقير آخر . والله أعلم . الثاني : . وقد اختلفت الرواية عن أخذ القيمة في الزكاة مالك في إخراج القيم في الزكاة ، فأجاز ذلك مرة ومنع منه أخرى ، فوجه الجواز - وهو قول أبي حنيفة - هذا الحديث . وثبت في صحيح من حديث البخاري أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم . . . . الحديث . وقال صلى الله عليه وسلم : من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنه تؤخذ منه وما استيسرنا من شاتين أو عشرين درهما . وإنما أراد أن يغنوا بما يسد حاجتهم ، فأي شيء سد حاجتهم جاز . وقد قال تعالى : أغنوهم عن سؤال هذا اليوم يعني يوم الفطر خذ من أموالهم صدقة ولم يخص شيئا من شيء . ولا يدفع عند أبي حنيفة سكنى دار بدل الزكاة ، مثل أن يجب عليه خمسة دراهم فأسكن فيها فقيرا شهرا فإنه لا يجوز . قال : لأن السكنى ليس بمال . ووجه قوله : لا تجزي القيم - وهو ظاهر المذهب - فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . فنص على الشاة ، فإذا لم يأت بها لم يأت بمأمور به ، وإذا لم يأت بالمأمور به فالأمر باق عليه القول الثالث : وهو أن سهم الفقراء والمساكين يقسم في الموضع ، وسائر السهام تنقل باجتهاد الإمام . والقول الأول أصح . والله أعلم . في خمس من الإبل شاة وفي أربعين شاة شاة
السابعة : إذ هو المخاطب ، قولان . واختار الثاني وهل المعتبر مكان المال وقت تمام الحول فتفرق الصدقة فيه ، أو مكان المالك أبو عبد الله محمد بن خويزمنداد في أحكامه قال : لأن الإنسان هو المخاطب بإخراجها فصار المال تبعا له ، فيجب أن يكون الحكم فيه بحيث المخاطب . كابن السبيل فإنه يكون غنيا في بلده فقيرا في بلد آخر ، فيكون الحكم له حيث هو .
[ ص: 104 ] واختلفت الرواية عن مالك فيمن ، فقال مرة : تجزيه ومرة لا تجزيه . وجه الجواز - وهو الأصح - ما رواه أعطى فقيرا مسلما فانكشف في ثاني حال أنه أعطى عبدا أو كافرا أو غنيا مسلم عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة . وروي قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية قال : اللهم لك الحمد على زانية ، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني قال : اللهم لك الحمد على غني لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق فقال : اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق فأتي فقيل له أما صدقتك فقد قبلت أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ولعل السارق يستعف بها عن سرقته أن رجلا أخرج زكاة ماله فأعطاها أباه ، فلما أصبح علم بذلك ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : قد كتب لك أجر زكاتك وأجر صلة الرحم فلك أجران . ومن جهة المعنى أنه سوغ له الاجتهاد في المعطى ، فإذا اجتهد وأعطى من يظنه من أهلها فقد أتى بالواجب عليه . ووجه قوله : لا يجزي . أنه لم يضعها في مستحقها ، فأشبه العمد ، ولأن العمد والخطأ في ضمان الأموال واحد فوجب أن يضمن ما أتلف على المساكين حتى يوصله إليهم .
الثامنة : فإن لم يضمن ؛ لأنه وكيل للفقراء . فإن أخرجها بعد ذلك بمدة فهلكت ضمن ، لتأخيرها عن محلها فتعلقت بذمته فلذلك ضمن والله أعلم . أخرج الزكاة عند محلها فهلكت من غير تفريط
التاسعة : وإذا كان الإمام يعدل في الأخذ والصرف لم يسغ للمالك أن يتولى الصرف بنفسه في الناض ولا في غيره . وقد قيل : إن . وقال زكاة الناض على أربابه ابن الماجشون : ذلك إذا كان الصرف للفقراء والمساكين خاصة ، فإن احتيج إلى صرفها لغيرهما من الأصناف فلا يفرق عليهم إلا الإمام . وفروع هذا الباب كثيرة ، هذه أمهاتها .
العاشرة : قوله تعالى والعاملين عليها يعني : السعاة والجباة الذين يبعثهم الإمام لتحصيل الزكاة بالتوكيل على ذلك . روى عن البخاري قال : أبي حميد الساعدي الأسد على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية ، فلما جاء حاسبه . واختلف العلماء في استعمل [ ص: 105 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من على ثلاثة أقوال : قال المقدار الذي يأخذونه مجاهد : هو الثمن . والشافعي ابن عمر : يعطون قدر عملهم من الأجرة ، وهو قول ومالك أبي حنيفة وأصحابه . قالوا : لأنه عطل نفسه لمصلحة الفقراء ، فكانت كفايته وكفاية أعوانه في مالهم ، كالمرأة لما عطلت نفسها لحق الزوج كانت نفقتها ونفقة أتباعها من خادم أو خادمين على زوجها . ولا تقدر بالثمن ، بل تعتبر الكفاية ثمنا كان أو أكثر ، كرزق القاضي . ولا تعتبر كفاية الأعوان في زماننا لأنه إسراف محض . القول الثالث : يعطون من بيت المال . قال : وهذا قول صحيح عن ابن العربي مالك بن أنس من رواية ابن أبي أويس وداود بن سعيد بن زنبوعة ، وهو ضعيف دليلا ، فإن الله سبحانه قد أخبر بسهمهم فيها نصا فكيف يخلفون عنه استقراء وسبرا . والصحيح الاجتهاد في قدر الأجرة ؛ لأن البيان في تعديد الأصناف إنما كان للمحل لا للمستحق ، على ما تقدم .
واختلفوا في ، فمنعه العامل إذا كان هاشميا أبو حنيفة لقوله عليه السلام : محمد إنما هي أوساخ الناس . وهذه صدقة من وجه ؛ لأنها جزء من الصدقة فتلحق بالصدقة من كل وجه كرامة وتنزيها لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غسالة الناس . وأجاز عمله إن الصدقة لا تحل لآل مالك ، ويعطى أجر عمالته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث والشافعي علي بن أبي طالب مصدقا ، وبعثه عاملا إلى اليمن على الزكاة ، وولى جماعة من بني هاشم وولى الخلفاء بعده كذلك . ولأنه أجير على عمل مباح فوجب أن يستوي فيه الهاشمي وغيره اعتبارا بسائر الصناعات . قالت الحنفية : حديث علي ليس فيه أنه فرض له من الصدقة ، فإن فرض له من غيرها جاز . وروي عن مالك .
الحادية عشرة : ودل قوله تعالى : والعاملين عليها على أن كل ما كان من فروض الكفايات ، فإن الصلاة وإن كانت متوجهة على جميع الخلق فإن تقدم بعضهم بهم من فروض الكفايات ، فلا جرم يجوز أخذ الأجرة عليها . وهذا أصل الباب ، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : كالساعي والكاتب والقسام والعاشر وغيرهم فالقائم به يجوز له أخذ الأجرة عليه . ومن ذلك الإمامة قاله ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة . ابن العربي
[ ص: 106 ] الثانية عشرة : قوله تعالى والمؤلفة قلوبهم لا ذكر للمؤلفة قلوبهم في التنزيل في غير قسم الصدقات ، وهم قوم كانوا في صدر الإسلام ممن يظهر الإسلام ، يتألفون بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف يقينهم . قال الزهري : المؤلفة من أسلم من يهودي أو نصراني وإن كان غنيا . وقال بعض المتأخرين : اختلف في صفتهم ، فقيل : هم صنف من الكفار يعطون ليتألفوا على الإسلام ، وكانوا لا يسلمون بالقهر والسيف ، ولكن يسلمون بالعطاء والإحسان . وقيل : هم قوم أسلموا في الظاهر ولم تستيقن قلوبهم ، فيعطون ليتمكن الإسلام في صدورهم . وقيل : هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع يعطون ليتألفوا أتباعهم على الإسلام . قال : وهذه الأقوال متقاربة والقصد بجميعها الإعطاء لمن لا يتمكن إسلامه حقيقة إلا بالعطاء ، فكأنه ضرب من الجهاد .
: صنف يرجع بإقامة البرهان ، وصنف بالقهر ، وصنف بالإحسان . والإمام الناظر للمسلمين يستعمل مع كل صنف ما يراه سببا لنجاته وتخليصه من الكفر . وفي صحيح والمشركون ثلاثة أصناف مسلم من حديث أنس ، للأنصار - : فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم . . . الحديث . قال ابن إسحاق : أعطاهم يتألفهم ويتألف بهم قومهم . وكانوا أشرافا ، فأعطى مائة بعير ، وأعطى ابنه مائة بعير ، وأعطى أبا سفيان بن حرب حكيم بن حزام مائة بعير ، وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير ، وأعطى مائة بعير ، وأعطى سهيل بن عمرو مائة بعير ، وأعطى حويطب بن عبد العزى صفوان بن أمية مائة بعير . وكذلك أعطى مالك بن عوف والعلاء بن جارية . قال : فهؤلاء أصحاب المئين . وأعطى رجالا من قريش دون المائة منهم مخرمة بن نوفل الزهري وعمير بن وهب الجمحي ، وهشام بن عمرو العامري . قال ابن إسحاق : فهؤلاء لا أعرف ما أعطاهم . وأعطى سعيد بن يربوع خمسين بعيرا ، وأعطى عباس بن مرداس السلمي أباعر قليلة فسخطها . فقال في ذلك :
كانت نهابا تلافيتها بكري على المهر في الأجرع
وإيقاظي القوم أن يرقدوا إذا هجع الناس لم أهجع
فأصبح نهبي ونهب العبي د بين عيينة والأقرع
وقد كنت في الحرب ذا تدرإ فلم أعط شيئا ولم أمنع
[ ص: 107 ] إلا أفائل أعطيتها عديد قوائمه الأربع
وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما ومن تضع اليوم لا يرفع
قلت : حكيم بن حزام عاش كل واحد منهما مائة وعشرين سنة ؛ ستين في الإسلام وستين في الجاهلية . وسمعت الإمام شيخنا الحافظ وحويطب بن عبد العزى أبا محمد عبد العظيم يقول : شخصان من الصحابة عاشا في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين سنة ، وماتا بالمدينة سنة أربع وخمسين ، أحدهما حكيم بن حزام ، وكان مولده في جوف الكعبة قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة . والثاني . وذكر هذا أيضا حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري أبو عمر وعثمان الشهرزوري في كتاب " معرفة أنواع علم الحديث " له ، ولم يذكرا غيرهما . وحويطب ذكره في كتاب " الوفا في شرف المصطفى " . وذكره أبو الفرج الجوزي أبو عمر في كتاب " الصحابة " أنه أدرك الإسلام وهو ابن ستين سنة ، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة . وذكر أيضا حمنن بن عوف أخا عبد الرحمن بن عوف ، أنه عاش في الإسلام ستين سنة وفي الجاهلية ستين سنة . وقد عد في المؤلفة قلوبهم معاوية وأبوه . أما أبو سفيان بن حرب معاوية فبعيد أن يكون منهم ، فكيف يكون منهم وقد ائتمنه النبي صلى الله عليه وسلم على [ ص: 108 ] وحي الله وقراءته وخلطه بنفسه . وأما حاله في أيام أبي بكر فأشهر من هذا وأظهر . وأما أبوه فلا كلام فيه أنه كان منهم . وفي عددهم اختلاف ، وبالجملة فكلهم مؤمن ولم يكن فيهم كافر على ما تقدم ، والله أعلم وأحكم .
الثالثة عشرة : واختلف العلماء في بقائهم ، فقال عمر والحسن وغيرهم : والشعبي . وهذا مشهور من مذهب انقطع هذا الصنف بعز الإسلام وظهوره مالك وأصحاب الرأي . قال بعض علماء الحنفية : لما أعز الله الإسلام وأهله وقطع دابر الكافرين - لعنهم الله - اجتمعت الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين في خلافة أبي بكر رضي الله عنه على سقوط سهمهم . وقال جماعة من العلماء : هم باقون ; لأن الإمام ربما احتاج أن يستألف على الإسلام . وإنما قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين . قال يونس : سألت الزهري عنهم فقال : لا أعلم نسخا في ذلك . قال : فعلى هذا ؛ الحكم فيهم ثابت ، فإن كان أحد يحتاج إلى تألفه ويخاف أن تلحق المسلمين منه آفة أو يرجى أن يحسن إسلامه بعد ، دفع إليه . قال أبو جعفر النحاس : إن احتيج إليهم في بعض الأوقات أعطوا من الصدقة . وقال القاضي عبد الوهاب : الذي عندي أنه إن قوي الإسلام زالوا ، وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم ، فإن في الصحيح : القاضي ابن العربي . بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ
الرابعة عشرة : فإذا فرعنا على أنه لا يرد إليهم سهمهم فإنه يرجع إلى سائر الأصناف أو ما يراه الإمام . وقال الزهري : يعطى نصف سهمهم لعمار المساجد . وهذا مما يدلك على أن الأصناف الثمانية محل لا مستحقون تسوية ، ولو كانوا مستحقين لسقط سهمهم بسقوطهم ولم يرجع إلى غيرهم ، كما لو أوصى لقوم معينين فمات أحدهم لم يرجع نصيبه إلى من بقي منهم . والله أعلم .
الخامسة عشرة : وفي الرقاب أي في فك الرقاب ، قاله قوله تعالى ابن عباس ، وهو مذهب وابن عمر مالك وغيره . فيجوز ، ويكون ولاؤهم لجماعة المسلمين . وإن اشتراهم صاحب الزكاة وأعتقهم جاز . هذا تحصيل مذهب للإمام أن يشتري رقابا من مال الصدقة يعتقها عن المسلمين مالك ، وروي عن ابن عباس والحسن ، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد . وقال أبو ثور : لا يبتاع منها صاحب الزكاة نسمة يعتقها بجر ولاء . وهو قول [ ص: 109 ] وأصحاب الرأي ورواية عن الشافعي مالك . والصحيح الأول ؛ لأن الله عز وجل قال : وفي الرقاب فإذا كان للرقاب سهم من الصدقات كان له أن يشتري رقبة فيعتقها . ولا خلاف بين أهل العلم أن . فإذا كان له أن يشتري فرسا بالكمال من الزكاة جاز أن يشتري رقبة بالكمال ، لا فرق بين ذلك . والله أعلم . للرجل أن يشتري الفرس فيحمل عليه في سبيل الله
السادسة عشرة : قوله تعالى وفي الرقاب الأصل في الولاء ، قال مالك : هي الرقبة تعتق وولاؤها للمسلمين ، وكذلك إن أعتقها الإمام . وقد . وقال عليه السلام : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته . وقال عليه السلام : الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب . ولا ترث النساء من الولاء شيئا ، لقوله عليه السلام : الولاء لمن أعتق حمزة من مولى لها النصف ولابنته النصف . فإذا ترك المعتق أولادا ذكورا وإناثا فالولاء للذكور من ولده دون الإناث . وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم . لا ترث النساء من الولاء شيئا إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن وقد ورث النبي صلى الله عليه وسلم ابنة ، والنساء لا تعصيب فيهن فلم يرثن من الولاء شيئا . فافهم تصب . والولاء إنما يورث بالتعصيب المحض
السابعة عشرة : واختلف ، فقيل لا . روي ذلك عن هل يعان منها المكاتب مالك ؛ لأن الله عز وجل لما ذكر الرقبة دل على أنه أراد العتق الكامل ، وأما المكاتب فإنما هو داخل في كلمة الغارمين بما عليه من دين الكتابة ، فلا يدخل في الرقاب . والله أعلم . وقد روي عن مالك من رواية المدنيين وزياد عنه : أنه يعان منها المكاتب في آخر كتابته بما يعتق . وعلى هذا جمهور العلماء في تأويل قول الله تعالى : وفي الرقاب . وبه قال ابن وهب والشافعي والليث والنخعي وغيرهم وحكى علي بن موسى القمي الحنفي في أحكامه : أنهم أجمعوا على أن المكاتب مراد . واختلفوا في عتق الرقاب ، قال الكيا الطبري : وذكر وجها بينه في منع ذلك فقال : إن العتق إبطال ملك وليس بتمليك ، وما يدفع إلى المكاتب تمليك ، ومن حق . وقوى ذلك بأنه لو الصدقة ألا تجزي إلا إذا جرى فيها التمليك لم يجزه من حيث لم يملك فلأن لا يجزي ذلك في العتق أولى . وذكر أن في العتق جر الولاء إلى نفسه وذلك لا يحصل في دفعه للمكاتب . وذكر أن ثمن العبد إذا دفعه إلى العبد لم يملكه العبد ، وإن دفعه إلى سيده فقد ملكه العتق . وإن دفعه بعد الشراء والعتق فهو قاض دينا وذلك لا يجزي في الزكاة . دفع من الزكاة عن الغارم في [ ص: 110 ] دينه بغير أمره
قلت : قد ورد حديث ينص على معنى ما ذكرنا من جواز عتق الرقبة وإعانة المكاتب معا أخرجه عن الدارقطني البراء قال : . . . وذكر الحديث . جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار . قال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة . فقال : يا رسول الله ، أوليستا واحدا ؟ قال : لا ، عتق النسمة أن تفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في ثمنها
الثامنة عشرة : واختلفوا في ، فقال فك الأسارى منها أصبغ : لا يجوز . وهو قول ابن قاسم . وقال ابن حبيب : يجوز ؛ لأنها رقبة ملكت بملك الرق فهي تخرج من رق إلى عتق ، وكان ذلك أحق وأولى من فكاك الرقاب الذي بأيدينا ؛ لأنه إذا كان فك المسلم عن رق المسلم عبادة وجائزا من الصدقة ، فأحرى وأولى أن يكون ذلك في فك المسلم عن رق الكافر وذله .
التاسعة عشرة : قوله تعالى " والغارمين " : هم الذين ركبهم الدين ولا وفاء عندهم به ، ولا خلاف فيه . اللهم إلا فإنه لا يعطى منها ولا من غيرها إلا أن يتوب . ويعطى منها من له مال وعليه دين محيط به ما يقضي به دينه ، فإن لم يكن له مال وعليه دين فهو فقير وغارم فيعطى بالوصفين . روى من ادان في سفاهة مسلم عن قال : أبي سعيد الخدري . أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تصدقوا عليه ؛ فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه : خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك
الموفية عشرين : ويجوز ما يؤدي ما تحمل به إذا وجب عليه وإن كان غنيا ، إذا كان ذلك يجحف بماله كالغريم . وهو قول للمتحمل في صلاح وبر أن يعطى من الصدقة وأصحابه الشافعي وغيرهم . واحتج من ذهب هذا المذهب وأحمد بن حنبل قبيصة بن مخارق قال : تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال : أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها - ثم قال - يا قبيصة : إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة ؛ رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة [ ص: 111 ] حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال سدادا من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا . فقوله : ثم يمسك دليل على أنه غني ؛ لأن الفقير ليس عليه أن يمسك . والله أعلم . وروي عنه عليه السلام أنه قال : بحديث . وروي عنه عليه السلام : إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع . . . الحديث . وسيأتي . لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة
الحادية والعشرون : واختلفوا ، هل يقضى منها دين الميت أم لا ، فقال أبو حنيفة : لا . وهو قول يؤدى من الصدقة دين ميت ابن المواز . قال أبو حنيفة : ولا يعطى منها ، وإنما الغارم من عليه دين يسجن فيه . وقال علماؤنا وغيرهم : يقضى منها دين الميت لأنه من الغارمين ، قال صلى الله عليه وسلم : من عليه كفارة ونحو ذلك من حقوق الله تعالى . أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ؛ من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي
الثانية والعشرون : وفي سبيل الله وهم الغزاة وموضع الرباط ، يعطون ما ينفقون في غزوهم كانوا أغنياء أو فقراء . وهذا قول أكثر العلماء ، وهو تحصيل مذهب مالك رحمه الله . وقال ابن عمر : الحجاج والعمار . ويؤثر عن أحمد وإسحاق رحمهما الله أنهما قالا : سبيل الله الحج . وفي : ويذكر عن البخاري أبي لاس : ، ويذكر عن حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل [ ص: 112 ] الصدقة للحج ابن عباس : يعتق من زكاة ماله ويعطي في الحج . خرج أبو محمد عبد الغني الحافظ حدثنا محمد بن محمد الخياش حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى حدثنا أخبرنا يزيد بن هارون مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن عبد الرحمن بن أبي نعم ويكنى أبا الحكم قال : كنت جالسا مع عبد الله بن عمر فأتته امرأة فقالت له : يا أبا عبد الرحمن ، إن زوجي أوصى بماله في سبيل الله . قال ابن عمر : فهو كما قال في سبيل الله . فقلت له : ما زدتها فيما سألت عنه إلا غما . قال : فما تأمرني يا ابن أبي نعم ، آمرها أن تدفعه إلى هؤلاء الجيوش الذين يخرجون فيفسدون في الأرض ويقطعون السبيل ، قال : قلت فما تأمرها . قال : آمرها أن تدفعه إلى قوم صالحين ، إلى حجاج بيت الله الحرام ، أولئك وفد الرحمن ، أولئك وفد الرحمن ، أولئك وفد الرحمن ، ليسوا كوفد الشيطان ، ثلاثا يقولها . قلت : ياأبا عبد الرحمن ، وما وفد الشيطان ؟ قال : قوم يدخلون على هؤلاء الأمراء فينمون إليهم الحديث ، ويسعون في المسلمين بالكذب ، فيجازون الجوائز ويعطون عليه العطايا . وقال محمد بن عبد الحكم : ، وكف العدو عن الحوزة ؛ لأنه كله من سبيل الغزو ومنفعته . ويعطى من الصدقة في الكراع والسلاح وما يحتاج إليه من آلات الحرب سهل بن أبي حثمة إطفاء للثائرة . وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة في نازلة
قلت : أخرج هذا الحديث أبو داود عن بشير بن يسار ، الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وداه مائة من إبل الصدقة ، يعني دية الأنصاري الذي قتل بخيبر ، وقال أن رجلا من عيسى بن دينار : ، قد احتاج في غزوته وغاب عنه غناؤه ووفره . قال : ولا تحل لمن كان معه ماله من الغزاة ، إنما تحل لمن كان ماله غائبا عنه منهم . وهذا مذهب تحل الصدقة لغاز في سبيل الله الشافعي وأحمد وإسحاق وجمهور أهل العلم . وقال أبو حنيفة وصاحباه : لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيرا منقطعا به . وهذه زيادة على النص ، والزيادة عنده [ ص: 113 ] على النص نسخ ، والنسخ لا يكون إلا بقرآن أو خبر متواتر ، وذلك معدوم هنا ، بل في صحيح السنة خلاف ذلك من قوله عليه السلام : . رواه لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة ؛ لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني مالك مرسلا عن عن زيد بن أسلم . ورفعه عطاء بن يسار معمر عن عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم فكان هذا الحديث مفسرا لمعنى الآية ، وأنه يجوز لبعض الأغنياء أخذها ، ومفسرا لقوله عليه السلام : أبي سعيد الخدري لأن قوله هذا مجمل ليس على عمومه بدليل الخمسة الأغنياء المذكورين . وكان لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ابن القاسم يقول : لا يجوز لغني أن يأخذ من الصدقة ما يستعين به على الجهاد وينفقه في سبيل الله ، وإنما يجوز ذلك لفقير . قال : وكذلك الغارم لا يجوز له أن يأخذ من الصدقة ما يقي به ماله ويؤدي منها دينه وهو عنها غني . قال : وإذا احتاج الغازي في غزوته وهو غني له مال غاب عنه لم يأخذ من الصدقة شيئا يستقرض ، فإذا بلغ بلده أدى ذلك من ماله . هذا كله ذكره ابن حبيب عن ابن القاسم ، وزعم أن ابن نافع وغيره خالفوه في ذلك . وروى أبو زيد وغيره عن ابن القاسم أنه قال : يعطى من الزكاة الغازي وإن كان معه في غزاته ما يكفيه من ماله وهو غني في بلده . وهذا هو الصحيح ، لظاهر الحديث : . . . . وروى لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة ابن وهب عن مالك أنه يعطى منها الغزاة ومواضع الرباط فقراء كانوا أو أغنياء .
الثالثة والعشرون : وابن السبيل السبيل : الطريق ، ونسب المسافر إليها لملازمته إياها ومروره عليها ، كما قال الشاعر :
إن تسألوني عن الهوى فأنا الهوى وابن الهوى وأخو الهوى وأبوه
والمراد فإنه يعطى منها وإن كان غنيا في بلده ، ولا يلزمه أن يشغل ذمته بالسلف . وقال الذي انقطعت به الأسباب في سفره عن بلده ومستقره وماله ، مالك في كتاب ابن سحنون : إذا وجد من يسلفه فلا يعطى . والأول أصح ، فإنه لا يلزمه أن يدخل تحت منة أحد وقد وجد منة الله تعالى . فإن كان له ما يغنيه ففي جواز الأخذ له لكونه ابن السبيل روايتان : المشهور أنه لا يعطى ، فإن أخذ فلا يلزمه رده إذا صار إلى بلده ولا إخراجه .
الرابعة والعشرون : هل يقبل قوله أم لا ويقال له [ ص: 114 ] أثبت ما تقول . فأما الدين فلا بد أن يثبته ، وأما سائر الصفات فظاهر الحال يشهد له ويكتفى به فيها . والدليل على ذلك حديثان صحيحان أخرجهما أهل الصحيح ، وهو ظاهر القرآن . روى فإن جاء وادعى وصفا من الأوصاف ، مسلم عن جرير عن أبيه قال : مضر بل كلهم من مضر ، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة ، فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ، ثم خطب فقال : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم الآية إلى قوله : " رقيبا " والآية التي في الحشر ولتنظر نفس ما قدمت لغد تصدق رجل من ديناره من ثوبه من صاع بره - حتى قال - ولو بشق تمرة . قال : فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت ، قال : ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب ، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء . فاكتفى صلى الله عليه وسلم بظاهر حالهم وحث على الصدقة ، ولم يطلب منهم بينة ، ولا استقصى هل عندهم مال أم لا . ومثله حديث أبرص وأقرع وأعمى أخرجه كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في صدر النهار ، قال : فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف ، عامتهم من مسلم وغيره . وهذا لفظه : عن أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبي هريرة بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى فأراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص فقال : أي شيء أحب إليك ؟ فقال : لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس . قال : فمسحه ؛ فذهب عنه قذره وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال الإبل - أو قال البقر ، شك إسحاق . إلا أن [ ص: 115 ] الأبرص أو الأقرع قال : أحدهما : الإبل ، وقال الآخر البقر - قال : فأعطي ناقة عشراء قال بارك الله لك فيها ، قال : فأتى الأقرع فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس قال فمسحه فذهب عنه قال فأعطي شعرا حسنا ، قال فأي المال أحب إليك ؟ قال البقر ؛ فأعطي بقرة حاملا قال : بارك الله لك فيها ، قال فأتى الأعمى فقال : أي شيء أحب إليك قال أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس ، قال فمسحه فرد الله إليه بصره ، قال فأي المال أحب إليك ؟ قال : الغنم ، فأعطي شاة والدا فأنتج هذان وولد هذا قال فكان لهذا واد من الإبل ولهذا واد من البقر ولهذا واد من الغنم ، قال ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله وبك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري فقال له : الحقوق كثيرة ، فقال له : كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس ، فقيرا فأعطاك الله ، فقال : إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت . فقال : وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا ورد عليه مثل ما رد على هذا فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت قال : وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري ، فقال : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله ، فقال : أمسك مالك ؛ فإنما ابتليتم فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك . كان في
وفي هذا أدل دليل على أن خلافا لمن قال يكشف عنه إن قدر ، فإن في الحديث : " فقال رجل مسكين وابن سبيل أسألك شاة " ولم يكلفه إثبات السفر . فأما المكاتب فإنه يكلف إثبات الكتابة لأن الرق هو الأصل حتى تثبت الحرية . من ادعى زيادة على فقره من عيال أو غيره لا يكشف عنه
الخامسة والعشرون : ولا يجوز أن يعطي من الزكاة من تلزمه نفقته وهم الوالدان والولد والزوجة . وإن جاز . وأما أن يتناول ذلك هو بنفسه فلا ؛ لأنه يسقط بها عن نفسه فرضا . قال أعطى الإمام صدقة الرجل لولده ووالده وزوجته أبو حنيفة : ، ولا يعطي منها ولد ابنه ولا ولد ابنته ؛ لأنه مأمور بالإيتاء والإخراج إلى الله تعالى بواسطة كف الفقير ، ومنافع الأملاك مشتركة بينه وبين هؤلاء ، ولهذا لا تقبل شهادة بعضهم لبعض . قال : ولا يعطي منها مكاتبه ولا مدبره ولا أم ولده ولا عبدا أعتق نصفه وربما يعجز فيصير الكسب له . [ ص: 116 ] ومعتق البعض عند والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم أبي حنيفة بمنزلة المكاتب . وعند صاحبيه أبي يوسف ومحمد بمنزلة حر عليه دين فيجوز أداؤها إليه .
السادسة والعشرون : فإن أعطاها لمن لا تلزمه نفقتهم فقد اختلف فيه ، فمنهم من جوزه ومنهم من كرهه . قال مالك : خوف المحمدة . وحكى مطرف أنه قال : رأيت مالكا . وقال يعطي زكاته لأقاربه الواقدي قال مالك : أفضل من وضعت فيه زكاتك قرابتك الذين لا تعول . وقد : لك أجران أجر القرابة وأجر الصدقة عبد الله بن مسعود . واختلفوا في قال صلى الله عليه وسلم لزوجة ، فذكر عن إعطاء المرأة زكاتها لزوجها ابن حبيب أنه كان يستعين بالنفقة عليها بما تعطيه . وقال أبو حنيفة : لا يجوز ، وخالفه صاحباه فقالا : يجوز . وهو الأصح لما ثبت أن زينب امرأة عبد الله أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : . والصدقة المطلقة هي الزكاة ، ولأنه لا نفقة للزوج عليها ، فكان بمنزلة الأجنبي . اعتل إني أريد أن أتصدق على زوجي أيجزيني ؟ فقال عليه السلام : نعم لك أجران أجر الصدقة وأجر القرابة أبو حنيفة فقال : منافع الأملاك بينهما مشتركة ، حتى لا تقبل شهادة أحدهما لصاحبه . والحديث محمول على التطوع . وذهب الشافعي وأبو ثور وأشهب إلى إجازة ذلك ، إذا لم يصرفه إليها فيما يلزمه لها ، وإنما يصرف ما يأخذه منها في نفقته وكسوته على نفسه وينفق عليها من ماله .
السابعة والعشرون : واختلفوا أيضا في ، فالغارم يعطى قدر دينه ، والفقير والمسكين يعطيان كفايتهما وكفاية عيالهما . وفي جواز إعطاء النصاب أو أقل منه خلاف ينبني على الخلاف المتقدم في حد الفقر الذي يجوز معه الأخذ . وروى قدر المعطى علي بن زياد وابن نافع : ليس في ذلك حد وإنما هو على اجتهاد الوالي . وقد تقل المساكين وتكثر الصدقة فيعطى الفقير قوت سنة . وروى المغيرة : يعطى دون النصاب ولا يبلغه . وقال بعض المتأخرين : . قال إن كان في البلد زكاتان نقد وحرث أخذ ما يبلغه إلى الأخرى : الذي أراه أن يعطى نصابا ، وإن كان في البلد زكاتان أو أكثر ، فإن الغرض إغناء الفقير حتى يصير غنيا . فإذا أخذ ذلك فإن حضرت الزكاة الأخرى وعنده ما يكفيه أخذها غيره . ابن العربي
قلت : هذا مذهب أصحاب الرأي في إعطاء النصاب . وقد كره ذلك أبو حنيفة مع الجواز ، وأجازه أبو يوسف ، قال : لأن بعضه لحاجته مشغول للحال ، فكان الفاضل عن حاجته للحال دون المائتين ، وإذا أعطاه أكثر من مائتي درهم جملة كان الفاضل عن حاجته للحال قدر [ ص: 117 ] مائتين فلا يجوز . ومن متأخري الحنفية من قال : هذا إذا لم يكن له عيال ولم يكن عليه دين ، فإن كان عليه دين فلا بأس أن يعطيه مائتي درهم أو أكثر ، مقدار ما لو قضى به دينه يبقى له دون المائتين . وإن كان معيلا لا بأس بأن يعطيه مقدار ما لو وزع على عياله أصاب كل واحد منهم دون المائتين ؛ لأن التصدق عليه في المعنى تصدق عليه وعلى عياله . وهذا قول حسن .
الثامنة والعشرون : اعلم أن قوله تعالى : للفقراء مطلق ليس فيه شرط وتقييد ، بل فيه دلالة على جواز الصرف إلى جملة الفقراء كانوا من بني هاشم أو غيرهم ، إلا أن السنة وردت باعتبار شروط : منها ألا يكونوا من بني هاشم وألا يكونوا ممن تلزم المتصدق نفقته . وهذا لا خلاف فيه . وشرط ثالث ألا يكون قويا على الاكتساب ؛ لأنه عليه السلام قال : وقد تقدم القول فيه . ولا خلاف بين علماء المسلمين أن لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي . ، ولا الصدقة المفروضة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم لبني هاشم ولا لمواليهم . وقد روي عن أبي يوسف جواز ، حكاه صرف صدقة الهاشمي للهاشمي الكيا الطبري . وشذ بعض أهل العلم فقال : إن بني هاشم لا يحرم عليهم شيء من الصدقات . وهذا خلاف الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قال موالي لأبي رافع مولاه : وإن مولى القوم منهم
التاسعة والعشرون : واختلفوا في جواز لبني هاشم ، فالذي عليه جمهور أهل العلم - وهو الصحيح - أن صدقة التطوع لا بأس بها صدقة التطوع لبني هاشم ومواليهم ، لأن عليا والعباس وفاطمة رضوان الله عليهم تصدقوا وأوقفوا أوقافا على جماعة من بني هاشم ، وصدقاتهم الموقوفة معروفة مشهورة . وقال ابن الماجشون ومطرف وأصبغ وابن حبيب : لا يعطى بنو هاشم من الصدقة المفروضة ولا من التطوع . وقال ابن القاسم : يعطى بنو هاشم من صدقة التطوع . قال ابن القاسم : والحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : محمد إنما ذلك في الزكاة لا في التطوع . واختار هذا القول لا تحل الصدقة لآل ابن خويزمنداد ، وبه قال أبو يوسف ومحمد . قال ابن القاسم : ويعطى مواليهم من الصدقتين . وقال مالك في الواضحة : لا يعطى لآل محمد من التطوع . قال ابن القاسم : قيل له - يعني - فمواليهم ؟ قال : لا أدري ما الموالي . فاحتججت عليه بقوله عليه السلام : مالكا . قال مولى القوم منهم . فقال قد قال : ابن [ ص: 118 ] أخت القوم منهم أصبغ : وذلك في البر والحرمة .
الموفية ثلاثين : قوله تعالى فريضة من الله بالنصب على المصدر عند . أي فرض الله الصدقات فريضة . ويجوز الرفع على القطع في قول سيبويه الكسائي ، أي هن فريضة . قال الزجاج : ولا أعلم أنه قرئ به .
قلت : قرأ بها ، جعلها خبرا ، كما تقول : إنما زيد خارج . إبراهيم بن أبي عبلة