فيه ثلاث مسائل :
الأولى : ثمانية أزواج ثمانية منصوب بفعل مضمر ، أي وأنشأ ثمانية أزواج ; عن قوله تعالى الكسائي . وقال الأخفش سعيد : هو منصوب على البدل من حمولة وفرشا . وقال : يكون منصوبا ب كلوا أي كلوا لحم ثمانية أزواج . ويجوز أن يكون منصوبا على البدل من ما على الموضع . ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى كلوا المباح الأخفش علي بن سليمان ثمانية أزواج من الضأن اثنين . ونزلت الآية في مالك بن عوف وأصحابه حيث قالوا : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا فنبه الله عز وجل نبيه والمؤمنين بهذه الآية على ما أحله لهم ; لئلا يكونوا بمنزلة من حرم ما أحله الله تعالى . والزوج خلاف الفرد ; يقال : زوج أو فرد . كما يقال : خسا أو زكا ، شفع أو وتر . فقوله : [ ص: 103 ] ثمانية أزواج يعني ثمانية أفراد . وكل فرد عند العرب يحتاج إلى آخر يسمى زوجا ، فيقال للذكر زوج وللأنثى زوج . ويقع لفظ الزوج للواحد وللاثنين ; يقال هما زوجان ، وهما زوج ; كما يقال : هما سيان وهما سواء . وتقول : اشتريت زوجي حمام . وأنت تعني ذكرا وأنثى .
الثانية من الضأن اثنين أي الذكر والأنثى . والضأن : ذوات الصوف من الغنم ، وهي جمع ضائن . والأنثى ضائنة ، والجمع ضوائن . وقيل : هو جمع لا واحد له . وقيل في جمعه : ضئين ; كعبد وعبيد . ويقال فيه ضئين . كما يقال في شعير : شعير ، كسرت الضاد اتباعا . وقرأ قوله تعالى طلحة بن مصرف " من الضأن اثنين " بفتح الهمزة ، وهي لغة مسموعة عند البصريين . وهو مطرد عند الكوفيين في كل ما ثانيه حرف حلق . وكذلك الفتح والإسكان في المعز . وقرأ ( من الضأن اثنان ومن المعز اثنان ) رفعا بالابتداء . وفي حرف أبان بن عثمان أبي ( ومن المعز اثنان ) وهي قراءة الأكثر . وقرأ ابن عامر وأبو عمرو بالفتح . قال النحاس : الأكثر في كلام العرب المعز والضأن بالإسكان . ويدل على هذا قولهم في الجمع : معيز ; فهذا جمع معز . كما يقال : عبد وعبيد . قال امرؤ القيس :
ويمنحها بنو شمجى بن جرم معيزهم حنانك ذا الحنان
ومثله ضأن وضئين . والمعز من الغنم خلاف الضأن ، وهي ذوات الأشعار والأذناب القصار ، وهو اسم جنس ، وكذلك المعز والمعيز والأمعوز والمعزى . وواحد المعز ماعز ; مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر . والأنثى ماعزة وهي العنز ، والجمع مواعز . وأمعز القوم كثرت معزاهم . والمعاز صاحب المعزى . قال أبو محمد الفقعسي يصف إبلا بكثرة اللبن ويفضلها على الغنم في شدة الزمان :يكلن كيلا ليس بالممحوق إذ رضي المعاز باللعوق
قل آلذكرين منصوب ب حرم أم الأنثيين عطف عليه .
أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين وزيدت مع ألف الوصل مدة للفرق بين الاستفهام والخبر . ويجوز حذف الهمزة لأن " أم " تدل على الاستفهام . كما قال :
تروح من الحي أم تبتكر
الثالثة قال العلماء : الآية احتجاج على المشركين في أمر البحيرة وما ذكر معها . وقولهم : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا . فدلت على إثبات [ ص: 104 ] ; لأن الله تعالى أمر نبيه عليه السلام بأن يناظرهم ، ويبين لهم فساد قولهم . وفيها إثبات القول بالنظر والقياس . وفيها دليل بأن القياس إذا ورد عليه النص بطل القول به . ويروى : " إذا ورد عليه النقض " ; لأن الله تعالى أمرهم بالمقايسة الصحيحة ، وأمرهم بطرد علتهم . والمعنى : قل لهم إن كان حرم الذكور فكل ذكر حرام . وإن كان حرم الإناث فكل أنثى حرام . وإن كان حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ، يعني من الضأن والمعز ، فكل مولود حرام ، ذكرا كان أو أنثى . وكلها مولود فكلها إذا حرام لوجود العلة فيها ، فبين انتقاض علتهم وفساد قولهم ; فأعلم الله سبحانه أن ما فعلوه من ذلك افتراء عليه المناظرة في العلمنبئوني بعلم أي بعلم إن كان عندكم ، من أين هذا التحريم الذي افتعلتموه ؟ ولا علم عندهم ; لأنهم لا يقرءون الكتب .
والقول في ومن الإبل اثنين وما بعده كما سبق .
أم كنتم شهداء أي هل شاهدتم الله قد حرم هذا . ولما لزمتهم الحجة أخذوا في الافتراء فقالوا : كذا أمر الله . فقال الله تعالى : فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم بين أنهم كذبوا ; إذ قالوا ما لم يقم عليه دليل .