قال الذهبي : (ولا أعلم أحدا في الإسلام: لا خليفة ولا سلطانا أقام هذه المدة، وفي أيامه كان الغلاء بمصر الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف، فأقام سبع سنين حتى أكل الناس بعضهم بعضا، وحتى قيل: إنه بيع رغيف بخمسين دينارا).
المعز بن باديس الخطبة للعبيدي بالمغرب، وخطب وفي سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة: قطع لبني العباس .
وفي سنة إحدى وخمسين: كان عقد الصلح بين السلطان إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة وبين السلطان جغري بك ابن سلجوق أخي طغرلبك صاحب خراسان بعد حروب كثيرة، ثم مات جغري بك في السنة، وأقيم مكانه ابنه ألب أرسلان .
[ ص: 645 ] لطغرلبك بعد أن دافع بكل ممكن، وانزعج واستعفى، ثم لان لذلك برغم منه، وهذا أمر لم ينله أحد من ملوك بني بويه مع قهرهم للخلفاء وتحكمهم فيهم. وفي سنة أربع وخمسين: زوج الخليفة بنته
قلت: والآن زوج خليفة عصرنا ابنته من واحد من مماليك السلطان، فضلا عن السلطان، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم قدم طغرلبك في سنة خمس فدخل بابنة الخليفة، وأعاد المواريث والمكوس، وضمن بغداد بمائة وخمسين ألف دينار، ثم رجع إلى الري فمات بها في رمضان، فلا عفا الله عنه، وأقيم في السلطنة بعده ابن أخيه عضد الدولة ألب أرسلان صاحب خراسان، وبعث إليه القائم بالخلع والتقليد.
قال الذهبي : (وهو أول من ذكر بالسلطان على منابر بغداد، وبلغ ما لم يبلغه أحد من الملوك، وافتتح بلادا كثيرة من بلاد النصارى، واستوزر نظام الملك، فأبطل ما كان عليه الوزير قبله عميد الملك من سب الأشعرية، وانتصر للشافعية، وأكرم إمام الحرمين وأبا القاسم القشيري، وبنى النظامية، قيل: وهي أول مدرسة بنيت للفقهاء).
وفي سنة ثمان وخمسين: ولدت بباب الأزج صغيرة لها رأسان ووجهان ورقبتان على بدن واحد.
وفيها: ظهر كوكب كأنه دارة القمر ليلة تمه بشعاع عظيم، وهال الناس ذلك، وأقام عشر ليال، ثم تناقص ضوؤه وغاب.
[ ص: 646 ] ببغداد، وقرر لتدريسها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، فاجتمع الناس فلم يحضر واختفى، فدرس ابن الصباغ صاحب «الشامل»، ثم تلطفوا بالشيخ أبي إسحاق حتى أجاب ودرس. وفي سنة تسع وخمسين: فرغت المدرسة النظامية
حتى طلع الماء من رءوس الآبار، وهلك من أهلها خمسة وعشرون ألفا، وأبعد البحر عن ساحله مسيرة يوم، فنزل الناس إلى أرضه يلتقطون السمك، فرجع الماء عليهم فأهلكهم. وفي سنة ستين: كانت بالرملة الزلزلة الهائلة التي خربتها،
دمشق، وزالت محاسنه وتشوه منظره، وذهبت سقوفه المذهبة. وفي سنة إحدى وستين: احترق جامع
مكة على السلطان ألب أرسلان بأنه أقام الخطبة العباسية، وقطع خطبة المستنصر المصري، وترك الأذان بـ «حي على خير العمل»، فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار وخلعا. وفي سنة اثنتين وستين: ورد رسول أمير
وسبب ذلك: ذلة المصريين بالقحط المفرط سنين متوالية، حتى أكل الناس الناس، وبلغ الإردب مائة دينار، وأبيع الكلب بخمسة دنانير، والهر بثلاثة دنانير.
[ ص: 647 ] وحكى صاحب «المرآة» : (أن امرأة خرجت من القاهرة ومعها مد جوهر، فقالت: من يأخذه بمد بر؟ فلم يلتفت إليها أحد).
وقال بعضهم يهنئ القائم:
وقد علم المصري أن جنوده سنو يوسف فيها وطاعون عمواس أقامت به حتى استراب بنفسه
وأوجس منها خيفة أي إيجاس
وفيها: والروم، ونصر المسلمون ولله الحمد، ومقدمهم السلطان: ألب أرسلان، وأسر ملك كانت وقعة عظيمة بين الإسلام الروم، ثم أطلقه بمال جزيل، وهادنه خمسين سنة، ولما أطلق... قال للسلطان: أين جهة الخليفة؟ فأشار له، فكشف رأسه وأومأ إلى الجهة بالخدمة.
وفي سنة أربع وستين: كان الوباء في الغنم.
ألب أرسلان، وقام في الملك ولده: ملكشاه ، ولقب: جلال الدولة، ورد تدبير المملكة إلى نظام الملك ولقبه: الأتابك; وهو أول من لقب به; ومعناه الأمير الوالد. وفي سنة خمس وستين: قتل السلطان
[ ص: 648 ] وفيها: اشتد الغلاء بمصر حتى أكلت امرأة رغيفا بألف دينار، وكثر الوباء إلى الغاية.
ببغداد، وزادت دجلة ثلاثين ذراعا، ولم يقع مثل ذلك قط، وهلكت الأموال والأنفس والدواب، وركبت الناس في السفن، وأقيمت الجمعة في الطيار على ظهر الماء مرتين، وقام الخليفة يتضرع إلى الله، وصارت وفي سنة ست وستين: كان الغرق العظيم بغداد ملقة واحدة، وانهدم مائة ألف دار أو أكثر.