ذكر غطفان إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصالحة
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم نقض بني قريظة العهد أرسل إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف ، وهما قائدا غطفان- وأسلما بعد ذلك- فلما جاءا في عشرة من قومهما قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أرأيتما إن جعلت لكما ثلث تمر المدينة أترجعان بمن معكما ، وتخذلان بين الأعراب ؟ »
فقالا : تعطينا نصف تمر المدينة ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيدهما على الثلث ، فرضيا بذلك ، فأحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة والدواة ، وأحضر فأعطاه الصحيفة ، وهو يريد أن يكتب الصلح بينهما ، عثمان بن عفان قائم على رأس وعباد بن بشر ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مقنع في الحديد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه الرمح ، ولا يدري بما كان من الكلام ، فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أسيد بن حضير وعيينة بن حصن ماد رجليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلم ما يريدون قال : يا عين الهجرس اقبض رجليك ، أتمدهما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والله لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنفذت خصيتيك بالرمح ! ثم أقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إن كان أمرا من السماء فامض له ، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف ، متى طمعوا بهذا منا ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا ، سعد بن معاذ ، فاستشارهما في ذلك وهو متكئ عليهما ، والقوم جلوس ، فتكلم بكلام يخفيه ، وأخبرهما الخبر . وسعد بن عبادة
وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشارهما في ذلك فقالا : يا رسول الله إن كان الأمر من السماء فامض له ، وإن كان أمرا لم تؤمر به ولك فيه هوى فامض له سمعا وطاعة ، وإن كان إنما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف . وأخذ ابن إسحاق الكتاب ، سعد بن معاذ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كل جانب . [ ص: 377 ]
فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما» ، فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله تعالى نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة واحدة إلا قرى أو بيعا ، أفحين أكرمنا الله تعالى بالإسلام ، وهدانا له ، وأعزنا بك وبه ، نعطيهم أموالنا ؟ ! ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلا السيف ، حتى يحكم الله بيننا وبينهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت وذاك . فتناول الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ، ثم قال : ليجهدوا علينا . سعد بن معاذ
وروى البزار عن والطبراني رضي الله عنه نحو ذلك مختصرا قال : أبي هريرة ، سعد بن عبادة ، وسعد بن معاذ ، وسعد بن الربيع وسعد بن خيثمة ، وسعد بن مسعود ، فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فقالوا : لا ، والله ما أعطينا الدنية في أنفسنا في الجاهلية ، فكيف وقد جاء الله تعالى بالإسلام ، فرجع إلى الحارث فأخبره ، فقال : غدرت يا محمد . [جاء الحارث] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد ناصفنا تمر المدينة وإلا ملأتها عليك خيلا ورجالا ، فقال حتى أستأمر السعود :