ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بموت كبير من المنافقين وإخباره عن موضع ناقته حين فقدت وبما قاله بعض أهل النفاق
روى عن مسلم رضي الله تعالى عنه قال : جابر بن عبد الله . بعثت هذه الريح لموت منافق
فلما قدمنا المدينة أذن : قد مات عظيم من عظماء المنافقين . قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر ، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح تكاد تدفن الراكب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
قال محمد بن عمر : لما سرح الناس ظهرهم أخذتهم ريح شديدة حتى أشفق الناس منها وقالوا : لم تهج هذه الريح إلا لأمر قد حدث ، وإنما بالمدينة الذراري والصبيان ، وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وعيينة بن حصن مدة ، وكان ذلك حين انقضائها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : زيد بن رفاعة بن التابوت ، مات ذلك اليوم ، كان كهفا للمنافقين» . «ليس عليكم فيها بأس ، ما بالمدينة من نقب إلا عليه ملك يحرسه ، وما كان ليدخلها عدو حتى تأتوها ، ولكن مات اليوم بالمدينة منافق عظيم النفاق ، فلذلك عصفت هذه الريح ، وكان موته للمنافقين غيظا شديدا ، وهو
وروى محمد بن عمر ، عن رضي الله عنه قال : جابر كانت الريح [يومئذ] أشد ما كانت قط إلى أن زالت الشمس ، ثم سكنت آخر النهار ، وذكر أهل المدينة أنهم وجدوا مثل ذلك من شدة الريح حتى دفن عدو الله فسكنت الريح .
وقال محمد بن عمر : حدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه : قال يومئذ لابن أبي : يا أبا الحباب ، مات خليلك ؟ قال : أي خليل ؟ قال : من موته فتح للإسلام وأهله ، قال : من ؟ قال عبادة بن الصامت زيد بن رفاعة بن التابوت ، قال : يا ويلاه ، كان والله وكان ! فقال عبادة :
اعتصمت والله بالذنب الأبتر ، قال : من أخبرك يا أبا الوليد بموته ؟ قال : قلت : رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه مات هذه الساعة . فسقط في يديه ، وانصرف كئيبا حزينا .
وروى ابن إسحاق والبيهقي عن وأبو نعيم ، وعروة موسى بن عقبة عن وابن إسحاق محمد بن عمر عن ابن رومان وعاصم بن عمر بن قتادة واللفظ قالوا : لابن عمر فقدت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء من بين الإبل ، فجعل المسلمون يطلبونها في كل وجه ، فقال زيد بن اللصيت ، وكان منافقا وهو في جماعة من الأنصار ، منهم عباد بن بشر بن وقش ، وسلمة بن سلامة بن وقش ، ، فقال : أين يذهب هؤلاء في كل وجه ؟ قالوا : وأسيد بن حضير
يطلبون ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضلت ، قال : أفلا يخبره الله بمكانها ؟ فأنكر عليه القوم ، فقالوا : [ ص: 352 ] قاتلك الله ، يا عدو الله ، نافقت . ثم أقبل عليه فقال : والله لولا أني لا أدري ما يوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك لأنفذت خصيتك بالرمح يا عدو الله فلم خرجت معنا وهذا في نفسك ؟ قال : خرجت لأطلب من عرض الدنيا ، ولعمري إن أسيد بن حضير محمدا ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة ، يخبرنا عن أمر السماء . ووقعوا به جميعا ، وقالوا : والله لا يكون منك سبيل أبدا ، ولا يظلنا وإياك ظل أبدا ، ولو علمنا ما في نفسك ما صحبتنا [ساعة من نهار] فوثب هاربا منهم أن يقعوا به ، ونبذوا متاعه ، فعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس معه فرارا من أصحابه متعوذا به ،
وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما قال من السماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنافق يسمع : «إن رجلا من المنافقين شمت أن ، وقال : «ألا يخبره الله بمكانها ؟ ، فلعمري إن محمدا ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة» ، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى ، وإن الله تعالى قد أخبرني بمكانها ، وإنها في هذا الشعب مقابلكم ، قد تعلق زمامها بشجرة ، فاعمدوا نحوها ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم»
.
فذهبوا فأتوا بها من حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما نظر المنافق إليها سقط في يده ، فقام سريعا إلى رفقائه الذين كانوا معه ، فإذا رحله منبوذ ، وإذا هم جلوس لم يقم رجل منهم من مجلسه ، فقالوا له حين دنا : لا تدن منا ! فقال : أكلمكم ، فدنا فقال : أنشدكم الله- وفي لفظ :
أذكركم الله- هل أتى أحد منكم محمدا فأخبره بالذي قلت ؟ قالوا : لا ، والله ، ولا قمنا من مجلسنا ، قال : فإني قد وجدت عند القوم ما تكلمت به ، وتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخبرهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه قد أتي بناقته ، وقال : إني قد كنت في شك من شأن محمد ، فأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأني لم أسلم إلا اليوم . قالوا : فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك . فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستغفر له ، واعترف بذنبه . قال : ويقال : إنه لم يزل فشلا حتى مات ، وصنع مثل هذا في غزوة تبوك ابن عمر .
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي العقيق تقدم عبد الله بن عبد الله بن أبي ، فجعل يتصفح الركاب حتى مر أبوه ، فأناخ به ، ثم وطئ على يد راحلته فقال أبوه : ما تريد يا لكع ؟
قال : : أنت أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فمن مر به من المسلمين يرفده عبد الله بن عبد الله ويمنع غير ذلك ، فيقول : والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتعلم أيهما الأعز من الأذل
تصنع هذا بأبيك ؟ !
حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه ، فقيل : عبد الله بن عبد الله بن أبي يأبى أن يأذن لأبيه حتى تأذن له ، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله واطئ على يد راحلة أبيه ، وابن أبي يقول : لأنا أذل من الصبيان ، لأنا أذل من النساء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خل عن أبيك» ، فخلى عنه .
ولما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنقيع- وهو بالنون- منصرفه من المريسيع ورأى سعة وكلأ . [ ص: 353 ]
وغدرانا كثيرة ، فسأل عن الماء ، فقيل : يا رسول الله إذا صفنا قلت المياه ، وذهبت الغدر ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحفر بئرا ، حاطب بن أبي بلتعة بضم الميم وفتح الزاي وقبل ياء النسب نون- فقال بلال : يا رسول الله وكم أحمي منه ؟ فقال : أقم رجلا صيتا إذا طلع الفجر ، ثم أقمه على هذا الجبل- يعني مقملا- فحيث انتهى صوته فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها ، فقال بلال : يا رسول الله ، أفرأيت ما كان من سوائم المسلمين ؟ فقال : «لا يدخلها» ، قلت : يا رسول الله أرأيت المرأة والرجل الضعيف تكون له الماشية اليسيرة وهو يضعف عن التحول ؟ وأمر بالنقيع أن يحمى ، واستعمل عليه يومئذ بلال بن الحارث المزني-
قال : «دعه يرعى» .