لما خرجوا حموا النساء والذرية ، وما استقلت به الإبل من الأمتعة ، فكان الرجل يهدم بيته عن نجاف بابه ، وأظهروا تجلدا عظيما ، فخرجوا على بلحارث بن الخزرج ، ثم على الجبلية ، ثم على الجسر ، حتى مروا بالمصلى ثم شقوا سوق المدينة ، والنساء في الهوادج وعليهن الديباج والحرير وقطف الخز الخضر والحمر وحلي الذهب والفضة ، والمعصفر .
ونادى أبو رافع سلام بن أبي الحقيق ، ورفع مسك جمل وقال : هذا مما نعده لخفض الأرض ورفعها ، فإن تكن النخل قد تركناها فإنا نقدم على نخل بخيبر .
ومروا ومعهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم تجلدا ، وصف لهم الناس فجعلوا يمرون قطارا في أثر قطار ، تحملوا على ستمائة بعير . وحزن المنافقون لخروجهم أشد الحزن .
فنزل أكثرهم بخيبر ، منهم حيي بن أخطب ، وسلام بن أبي الحقيق ، وكنانة بن صويراء . فدان لهم أهلها ، وذهبت طائفة منهم إلى الشام .
وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال والحلقة فوجد خمسين درعا ، وخمسين بيضة ، وثلاثمائة وأربعين سيفا .
وقال : يا رسول الله ألا تخمس ما أصبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا أجعل شيئا جعله الله تعالى لي دون المؤمنين» بقوله : عمر بن الخطاب ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى . . [الحشر 7] الآية ،
كهيئة ما وقع فيه السهمان .
بنو النضير من صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جعلها حبسا لنوائبه . وكانت
وكان ينفق على أهله منها ، كانت خالصة له فأعطى منها من أعطى وحبس ما حبس .
وكان يزرع تحت النخل ، وكان يدخر منها قوت أهله سنة من الشعير والتمر لأزواجه وبني عبد المطلب ، وما فضل جعله في الكراع والسلاح . [ ص: 325 ]
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تحول من بني عمرو بن عوف إلى المدينة تحول المهاجرون ، فتنافست فيهم الأنصار ، فما إن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم بالسهمان ، فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار إلا بقرعة بسهم ، فكان المهاجرون في دور الأنصار وأموالهم .
بني النضير دعا ، فقال : ادع لي قومك ، قال ثابت : ثابت بن قيس بن شماس الخزرج يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الأنصار كلها !» فدعا له الأوس والخزرج ، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين وإنزالهم إياهم في منازلهم وإيثارهم على أنفسهم ، ثم قال : بني النضير ، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم ، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم» . فتكلم «إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين مما أفاء الله تعالى علي من وسعد بن معاذ- رضي الله عنهما- وجزاهما خيرا ، فقالا : «يا رسول الله بل تقسمه بين المهاجرين ، ويكونون في دورنا كما كانوا» ، ونادت الأنصار- رضي الله عنهم وجزاهم خيرا- : «رضينا وسلمنا يا رسول الله» . سعد بن عبادة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار» . فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أفاء الله تعالى عليه ، وأعطى المهاجرين ، ولم يعط أحدا من الأنصار من ذلك الفيء شيئا إلا رجلين كانا محتاجين : سهل بن حنيف وأبا دجانة ، وأعطى رضي الله عنه سيف سعد بن معاذ ابن أبي الحقيق ، وكان سيفا له ذكر عندهم .
وذكر في كتاب فتوح البلدان البلاذري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار : «ليس لإخوانكم من المهاجرين أموال ، فإن شئتم قسمتم هذه وأموالكم بينكم وبينهم جميعا ، وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة» .
قالوا : بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة فنزلت : [الحشر 9] .
قال رضي الله عنه : جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا ، فوالله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال أبو بكر الغنوي- وهو بالغين المعجمة والنون- :
جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت بنا نعلنا في الواطئين فزلت أبوا أن يملونا ولو أمنا
تلاقي الذي يلقون منا لملت