التنبيه الخامس والسبعون :
قال : ابن دحية فإذا قال سائر الأنبياء : نفسي نفسي فنبينا يقول : «أمتي أمتي ، وذلك حين تسجر جهنم ، ولذلك أمن الله «إنما عرضت عليه النار ليكون آمنا يوم القيامة ، محمدا صلى الله عليه وسلم ، فقال عز من قائل : يوم لا يخزي الله النبي [التحريم : 8] والحكمة في ذلك أن يفزع إلى شفاعة أمته ، ولو لم يؤمنه لكان مشغولا بنفسه كغيره من الأنبياء ، لأنهم لم يروا قبل يوم القيامة شيئا منها ، فإذا رأوها جزعوا وكفت ألسنتهم عن الخطبة والشفاعة من هولها وشغلتهم أنفسهم عن أممهم ، وهو صلى الله عليه وسلم قد رآها قبل ذلك فلا يفزع منها مثل ما فزعوا فيقدر على الخطبة وهو المقام المحمود ، لأن الكفار لما كانوا يكذبونه ويستهزئون به ويؤذونه أشد الأذى أراه الله سبحانه وتعالى النار التي أعدها للمستخفين به تطييبا لقلبه وتسكينا لفؤاده وللإشارة إلى أن من طيب قلبه بإهانة أعدائه والانتقام منهم فأولى أن يطيبه في أوليائه بالشفاعة والإكرام ، وليعلم منة الله عليه حين أنقذهم منها ببركته وشفاعته .