تنبيه : اختلف فرجح كلا مرجحون . وقد ألف الإمام هل الليل أفضل من النهار؟ أبو الحسين بن فارس اللغوي كتابا في التفضيل بينهما فذكر وجوها في تفضيل هذا ووجوها في تفضيل هذا .
الثامن : في من المسجد الحرام : الكلام على قوله تعالى
«من» ههنا لابتداء الغاية .
الزركشي رحمه الله في كتابه : «إعلام الساجد بأحكام المساجد» : المسجد لغة مفعل بالكسر اسم لمكان السجود وبالفتح اسم للمصدر» . [ ص: 16 ]
قال أبو زكريا الفراء : «كل ما كان على فعل يفعل كدخل يدخل ، فالمفعل منه بالفتح اسما كان أو مصدرا ، فلا يقع فيه الفرق مثل دخل مدخلا . ومن الأسماء ما ألزموها كسر العين منها : المسجد والمطلع والمغرب والمشرق وغيرها ، فجعلوا الكسر علامة للاسم ، وربما فتحه بعض العرب . وقد روي المسجد والمسجد والمطلع والمطلع» .
قال : «والفتح في كله جائز وإن لم نسمعه» .
قال في الصحاح : «والمسجد بالفتح جبهة الرجل حيث يصيبه السجود .
وقال أبو حفص الصقلي – بفتحتين - في كتاب تثقيف اللسان «ويقال مسجد بفتح الميم ، حكاه غير واحد ، فتحصلنا فيه على ثلاث لغات» .
والمسجد بكسر الميم الخمرة بضم الخاء المعجمة وهي الحصير الصغير ، قاله العسكري .
وأما عرفا فكل موضع من الأرض
لقوله صلى الله عليه وسلم : . «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا»
قلت وسيأتي الكلام على هذا الحديث في الخصائص .
ولما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه اشتق اسم المكان منه ، فقيل مسجد ، ولم يقولوا مركع . ثم إن العرف خصص المسجد بالمكان المهيأ للصلوات الخمس حتى يخرج المصلى المجتمع فيه للأعياد ونحوها ، فلا يعطى حكمه ، وكذلك الربط والمدارس فإنها هيئت لغير ذلك .
التاسع : في الكلام على قوله : الحرام .
أبو شامة : أصل الحرام المنع ، ومنه البيت الحرام ، وفلان حرام أي محرم وهو ضد الحلال ، وذلك لما منع منه المحرم مما يجوز لغيره ، ولما منع في الحرم مما يجوز في غيره من البلاد .
رحمه الله في كتاب الجزية من حاويه : «كل موضع ذكر الله تعالى فيه الماوردي المسجد الحرام فالمراد به الحرم ، إلا في قوله تعالى : فول وجهك شطر المسجد الحرام [البقرة : 144] فإنه أراد به الكعبة .
الحافظ رحمه الله تعالى : «لفظ المسجد الحرام في الأصل حقيقة الكعبة فقط ، وهو [ ص: 17 ] المعني بقوله تعالى : إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين [آل عمران : 96] ،
وبقوله صلى الله عليه وسلم لما عن أول مسجد وضع في الأرض فقال : «المسجد الحرام» أبو ذر . سأله
واستعمله بعد ذلك في المسجد المحيط بالكعبة في
قوله : «صلاة في المسجد الحرام بكذا وكذا صلاة» ،
على وجه التغليب المجازي . وفي قوله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام [الإسراء : 1] على قول من يقول المراد به مكة ، لأنه كان في بيت وفي دور أم هانئ . مكة والحرم حولها في قوله : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام كل ذلك من باب التغليب المسوغ للمجاز المتوسع فيه ، وإلا لزم الاشتراك في موضع لفظ المسجد الحرام ، والمجاز أولى منه ، وكيف يقال بالاشتراك؟
والفهم ما تبادر عند الإطلاق إلى الكعبة ، أو إليها مع المسجد حولها ، ولا يتبادر إلى مكة كلها إلا بقرينة» . انتهى ملخصا .