الأول : قال في «الروض» : قوله -صلى الله عليه وسلم- في خطبته : «أحبوا الله من كل قلوبكم»
يريد أن يستغرق حب الله جميع أجزاء القلب ، فيكون ذكره وعمله خارجا من قلبه خالصا لله ، وتقدم الكلام على محبة الله تعالى لعبده ، ومحبة العبد لربه في اسمه -صلى الله عليه وسلم- «حبيب الله» .
وقوله : -صلى الله عليه وسلم- : «لا تملوا كلام الله تعالى وذكره ، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي» .
قال السهيلي : الهاء في قوله : «فإنه» لا يجوز أن تكون عائدة على كلام الله تعالى ، [ ص: 44 ] ولكنها ضمير الأمر والحديث؛ فكأنه قال : إن الحديث من كل ما يخلق الله ويختار ، فالأعمال إذا كلها من خلق الله تعالى ، وقد اختار منها ما شاء ، قال الله تعالى : يخلق ما يشاء ويختار [القصص 68] .
قوله : «قد سماه خيرته من الأعمال» يعني الذكر وتلاوة القرآن .
وقوله : والمصطفى من عباده أي : وسمى المصطفى من عباده .
بقوله تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس [الحج 75] ، ويجوز أن يكون معناه المصطفى من عباده ، أي : العمل الذي اصطفاه منهم واختاره من أعمالهم ، فلا تكون «من» على هذا للتبعيض ، إنما تكون لابتداء الغاية؛ لأنه عمل استخرجه منهم بتوفيقه إياهم ، والتأويل الأول أقرب مأخذا ، والله تعالى أعلم بما أراد رسوله -صلى الله عليه وسلم- .
وقوله : في أول الخطبة : «إن "الحمد" لله أحمده»
هكذا يرفع الدال من قوله الحمد لله ، وجدته مقيدا مصححا عليه ، وإعرابه ليس على الحكاية ولكنه على إضمار الأمر؛ كأنه قال : إن الأمر الذي أذكر وحذف الهاء العائدة على الأمر كي لا يقدم شيئا في اللفظ من الأسماء على قوله : الحمد لله وليس تقديم «إن» في اللفظ من باب تقديم الأسماء ، لأنها حرف مؤكد لما بعده مع ما في اللفظ من التحري للفظ القرآن والتيمن به .
الثاني : اختلف في تسمية اليوم بذلك مع الاتفاق على أنه كان يسمى في الجاهلية العروبة- بفتح المهملة وضم الراء وبالموحدة- .
قلت : قال ابن النحاس في كتاب «صناعة الكتاب» : لا يعرفه أهل اللغة إلا بالألف واللام إلا شاذا ، ومعناه اليوم البين المعظم ، من أعرب «إذا» بين [ . . . ] فقيل : سمي بذلك لأن كمال الخلائق جمع فيه ، ذكره أبو حذيفة النجاري ، في «المبتدأ» عن وهو ضعيف . ابن عباس ،
وقيل : لأن خلق آدم جمع فيه .
روى الإمام أحمد والنسائي وابن خزيمة عن وابن أبي حاتم سليمان -رضي الله تعالى عنه- [قال : [ ص: 45 ] قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أتدري ما يوم الجمعة ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قالها ثلاث مرات ، ثم قال في الثلاثة : هو اليوم الذي جمع فيه أباكم آدم . قال : لكني أدري ما يوم الجمعة : لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام إلا كان كفارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة .
وله شاهد عن رواه أبي هريرة موقوفا بإسناد قوي في الفتح ما رواه ابن أبي حاتم عن عبد بن حميد والحديث في المصنف أيضا والإمام ابن سيرين مرفوعا بإسناد ضعيف . أحمد
قال الحافظ : وهذا أصح الأقوال ، ويليه ما رواه عن عبد الرزاق بسند صحيح إليه في قصة تجميع الأنصار مع ابن سيرين وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة ، فصلى بهم وذكرهم ، فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه . أسعد بن زرارة ،
وقيل : سمي بذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه ، وبهذا جزم ابن حزم ، فقال : إنه اسم إسلامي لم يكن في الجاهلية ، [وإنما كان يسمى العروبة ، وفيه نظر ، فقد قال أهل اللغة : إن العروبة اسم قديم كان للجاهلية] فالظاهر أنهم غيروا أسماء الأيام السبعة بعد أن كانت تسمى : أول ، أهون ، جبار ، دبار ، مؤنس ، عروبة ، شبار .
وقال الجوهري : كانت العرب تسمي يوم الاثنين أهون في أسمائهم القديمة ، وهذا يشعر بأنهم أحدثوا لها أسماء ، وهي هذه المتعارفة [الآن كالسبت ، والأحد] إلى آخرها .
وقيل : إن أول من سمى العروبة الجمعة كعب بن لؤي [وبه جزم الفراء وغيره] فيحتاج من قال : إنهم غيروها إلا الجمعة فأبقوه على تسمية العروبة إلى نقل خاص .
الثالث : تقدم أن صلاة الجمعة صلتها الصحابة بالمدينة ، قبل مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فقيل ذلك بإذن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لما رواه عن الدارقطني -رضي الله تعالى عنهما- قال : ابن عباس حتى قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع عند الزوال من الظهر ، وأظهر ذلك ، مصعب وفي سنده أذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة قبل أن يهاجر ، ولم يستطع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجمع ولا يبدي لهم ، فكتب إلى مصعب بن عمير ، أما بعد : فانظر اليوم الذي تجتهد فيه اليهود بالزبور لسبتهم ، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم ، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة ، فتقربوا إلى الله تعالى بركعتين ، قال : فأول من جمع أحمد بن محمد بن غالب الباهلي ، وهو متهم بالوضع .
قال في «الزهر» : والمعروف في هذا المتن الإرسال ، رويناه في كتاب «الأوائل» لأبي عروبة الحراني ، قال : حدثنا هشام بن القاسم ، حدثنا ابن وهب (أنبأنا عن ابن جريج) سليمان بن موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى به . مصعب
وقيل : باجتهاد الصحابة .
وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن قال : جمع أهل المدينة قبل أن [ ص: 46 ] يقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقبل أن تنزل الجمعة ، فقالت الأنصار : إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام ، وللنصارى أيضا مثل ذلك ، فهلم فلنجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر الله ونصلي ونشكره ، فجعلوه يوم العروبة ، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ، وأنزل الله تعالى بعد ذلك : محمد بن سيرين إذا نودي للصلاة [الجمعة 9] الآية .
وقال الحافظ : وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن ، رواه أحمد وأبو داود وصححه وابن ماجه ، وغير واحد من حديث ابن خزيمة قال : كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- كعب بن مالك الحديث ، وتقدم ، فمرسل أسعد بن زرارة يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد ، ولا يمنع ذلك أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه بالوحي وهو ب : ابن سيرين «مكة» فلم يتمكن من إقامتها كما في حديث والمرسل بعده ، ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه ابن عباس ، وغيره ، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق . ابن إسحاق
وقيل : في الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه ، والإنسان إنما خلق للعبادة ، فناسب أن يشتغل بالعبادة [فيه ، ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات ، وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها ، فناسب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه] .
ولهذا تتمة تقدمت في الخصائص .
وفيها جعلت صلاة الحضر أربع ركعات ، وكانت ركعتين بعد مقدمه بشهر لاثنتي عشرة من ربيع الآخر .
قال يوم الثلاثاء ، قال الدولابي : السهيلي : بعد الهجرة بعام رواه الدولابي .
وروي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- وأكثر الفقهاء أن الصلاة نزلت بتمامها .
قال وزعم ابن جرير : أنه لا خلاف بين أهل الحجاز فيه . الواقدي
وفيها بنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسجده ، ومساكنه ، ومسجد قباء . وسيأتي في التاسعة .
لما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبني مسجده ، وكان مربد اليتيمين سهل وسهيل .
قال البلاذري ، ويحيى بن الحسن ، وغيرهما : إنهما ابني رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، وبه صرح ابن حزم وابن عبد البر ، والسهيلي ورجحه السيد وغيره . [ ص: 47 ]
وقال إنهما ابني عمر . ابن إسحاق :
وقال في «العيون» : إنه أشهر .
قال السهيلي فيما نقله عنه الذهبي : ما يحصل به الجمع إلا أن فيه بعض مخالفة لما تقدم . قال : «سهل بن عمرو الأنصاري النجاري أخو سهيل ، صاحبا المربد» ، ينسبان إلى جدهما وهما ابنا رافع بن عمرو بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن النجار . انتهى .
فعلى هذا يكون سقط من الرواية المتقدمة ابن عمرو بن رافع وأبي عمرو تصحف وعمرو بعائذ ، كانا في حجر كما في الصحيح عند أكثر الرواة . أسعد بن زرارة
وقال سعد بإسقاط الألف ، والأول هو الوجه كما قال : إذا كان أسعد من السابقين إلى الإسلام ، وهو المكنى أبو ذر الهروي : بأبي أمامة ، وأما أخوه سعد فتأخر إسلامه -ولفظ- يحيى بن الحسن : كانا في حجر أبي أمامة أسعد بن زرارة .
وذكر ابن زبالة ويحيى : إنهما كانا في حجر أبي أيوب وأنه قال : يا رسول الله ، أنا أرضيهما .
وذكر ابن عقبة : أن عوضهما عنه نخلا له في بني بياضة . أسعد بن زرارة
قال : وقيل : ابتاعه منهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
وذكر [أن المربد كان لغلامين يتيمين ، وأنهما كانا في حجر ابن إسحاق معاذ بن عفراء .
قال : [ . . . ] والسيد ، وقد يجمع باشتراك من ذكر كونهما كانا في حجورهم ، أو بانتقال ذلك بعد أسعد إلى من ذكر واحدا بعد واحد سيما وقد روى ابن زبالة عن قال : سمعت بعض أهل العلم يقولون : إن ابن أبي فديك أسعد توفي قبل أن يبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد ، فباعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ولي سهل وسهيل .
وفي «الصحيح» أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى ملأ من بني النجار بسبب موضع المسجد فقال : يا بني النجار ، ثامنوني بحائطكم هذا . فقالوا : لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله .
وفي رواية : فدعا بالغلامين فساومهما بالمربد ، يتخذه مسجدا فقالا : بلى ، نهبه لك يا رسول الله ، فأبى أن يقبله منهما بهبة حتى ابتاعه منهما ، ثم بناه مسجدا .
ووقع في رواية فكلم عمهما؛ أي : الذي كانا في حجره أن يبتاعه منهما ، فطلبه منهما معا ، فقالا : ما تصنع به ؟ فلم يجد بدا من أن يصدقهما ، فأخبرهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراده فقالا : نحن نعطيه إياه فأعطياه . [ ص: 48 ] ابن عيينة :
وطريق الجمع بين ذلك كما أشار إليه الحافظ : أنهم لما قالوا : لا نطلب ثمنه إلا إلى الله سأل عمن يختص بملكه منهم ، فعينوا له الغلامين ، فابتاعه منهما أو من وليهما ، فهما غير بالغين ، وحينئذ فيحتمل أن يكون الذين قالوا : لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تحملوا عنه للغلامين اليتيمين ، فقد نقل عن ابن عقبة أن أسعد عوض الغلامين ثمنه نخلا له في بني بياضة .
وتقدم أن قال : «أنا أرضيهما فأرضاهما ، وكذلك أبا أيوب معاذ بن عفراء فيكون بعد الشراء ، ويحتمل أن كلا من أسعد وأبي أيوب وابن عفراء أرضى اليتيمين بشيء فنسب ذلك لكل منهم .
وقد روى أن اليتيمين امتنعا عن قبول عوض ، فيحتمل ذلك على بدء الأمر ، لكن يشكل على هذا ما ذكره ابن سعد أن قال : إنه -صلى الله عليه وسلم- اشتراه من ابني عفراء بعشرة دنانير ذهبا ، دفعها أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- ، وقد يقال : إن الشراء وقع من ابني عفراء ، لأنهما كانا وليين لليتيمين ، ورغب الواقدي ، في الخير كما رغب فيه أبو بكر أسعد وأبو أمامة ، ومعاذ بن عفراء ، فدفع لهم العشرة ودفع لهم من كل أولئك ما تقدم ، ولم يقبله -صلى الله عليه وسلم- أولا لكونه لليتيمين . أبو بكر
وذكر أن البلاذري : عرض على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذه ويدفع لليتيمين ثمنه فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك وابتاعه منه بعشرة دنانير ، أداها من مال أسعد بن زرارة فيحتمل أنه -صلى الله عليه وسلم- أخذ أولا بعض المربد ، ثم أخذ بعضا وقد ورد ما يقتضي أن أبي بكر ، كان قد بنى بهذا المربد مسجدا [آخر لما سيأتي من أنه زاد فيه مرة أخرى ، فليست القصة متحدة] . أسعد بن زرارة
فروى يحيى بن الحسن عن النوار بنت مالك أم زيد بن ثابت أنها رأت قبل أن يقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس الصلوات الخمس ، ويجمع لهم في مسجد بناه في مربد أسعد بن زرارة سهل وسهيل ابني رافع بن عمرو بن عائذ بن مالك بن النجار قالت : فكأني أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة صلى بهم في ذلك المسجد ، وبناه فهو مسجده ، وذكر نحوه . انتهى . البلاذري
وروى الشيخان أن المسجد كان جدادا مجددا ، ليس عليه سقف ، وقبلته القدس ، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنخل وبالفرقد الذي فيه أن يقطع ، وكان فيه قبور جاهلية ، فأمر بها فنبشت ، وأمر بالعظام أن تغيب ، وكان بالمربد ماء مستنجل ، فسيروه حتى ذهب وكان [ ص: 49 ] فيه حزب فأمر بها فسويت ، فصفوا النخل قبلة -أي : جعلت سواري في جهة القبلة- ليسقف عليها ، وجعلوا عضادتيه حجارة . والبيهقي
وروى ابن عائد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى فيه وهو عريش اثني عشر يوما ثم سقف .
وروى ابن زبالة ويحيى عن الحسن عن قال : شهر بن حوشب لما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبني مسجدا قال : ابنوا لي عريشا كعريش موسى ، ثمام وخشيبات وظلة كظلة موسى والأمر أعجل من ذلك ، وقيل : وما ظلة موسى ؟ قال : كان إذا قام أصاب رأسه السقف .
وروى عن البيهقي الحسن قال : وهو معهم يتناول اللبن ، حتى اغبر صدره ، فقال : ابنوه عريشا كعريش لما بنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد أعانه عليه أصحابه ، موسى ، فقيل للحسن : ما عريش موسى ؟ قال : كان إذا رفع يده بلغ العريش ، يعني السقف .
وقد روى في الصحيح أنه طفق ينقل معهم اللبن ترغيبا لهم ، ويقول وهو ينقل اللبن :
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
ويقول :لا هم ، إن الأجر أجر الآخره فارحم الأنصار والمهاجره
لاهم ، لا خير إلا خير الآخره فانصر الأنصار والمهاجره
وعن -رحمه الله تعالى- الزهري
لاهم ، لا خير إلا خير الآخره فارحم المهاجرين والأنصار
لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل
[وروى ابن زبالة وغيره عن -رضي الله تعالى عنها- قالت : بنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسجده] . أم سلمة [ ص: 50 ]
ونقل عن ابن الجوزي محمد بن عمر الأسلمي قال : كانت لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد وحوله ، وكلما أحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم -أخلا ونزل له حارثة عن منزل- أي : محل حجرة- حتى صارت منازله كلها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأزواجه .
وروى ابن سعد ويحيى بن الحسن من طريق محمد بن عمر : حدثنا عبد الله بن زيد الهذلي قال : رأيت بيوت أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين هدمها بأمر عمر بن عبد العزيز الوليد بن عبد الملك ، كانت بيوتا باللبن ولها حجر من جريد مطرورة بالطين ، عددت تسعة أبيات بحجرها ، وهي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى منزل أسماء بنت حسن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، ورأيت بيت وحجرتها من لبن ، فسألت ابن ابنها فقال : لما غزا رسول الله غزوة دومة الجندل بنت أم سلمة حجرتها بلبن ، فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى اللبن ، فدخل عليها أول نسائه ، فقال : ما هذا البناء ؟ فقالت : أردت يا رسول الله ، -صلى الله عليه وسلم- أن أكف أبصار الناس فقال : يا أم سلمة إن شر ما ذهب فيه مال المسلمين البنيان . أم سلمة
قال محمد بن عمر : فحدثت هذا الحديث معاذ بن محمد الأنصاري فقال : سمعت عطاء الخرساني في مجلس فيه عمر بن أبي أنس يقول وهو فيما بين القبر الشريف والمنبر :
أدركت حجر أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من جريد النخل على أبوابها المسوح ، شعر أسود فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ ، يأمر بإدخال حجر أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما رأيت أكثر باكيا من ذلك اليوم فقال عطاء : فسمعت يقول يومئذ : والله لوددت أنهم تركوها على حالها ينشأ ناشئ من أهل سعيد بن المسيب المدينة ، ويقدم القادم من الأفق فيرى ما اكتفى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته فيكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر والتفاخر .
قال فلما فرغ معاذ : من حديثه قال عطاء الخراساني عمر بن أبي أنس : كان منها أربعة أبيات بلبن ، لها حجر من جريد ، وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها ، على أبوابها مسوح الشعر ذرعت الستر فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع ، والعظم أو أدنى من العظم ، فأما ما ذكرت من البكاء يومئذ فلقد رأيتني في مجلس فيه نفر من أبناء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وإنهم ليبكون حتى أخضل لحاهم الدمع . [ ص: 51 ]
وقال يومئذ أبو أمامة : ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء ويروا ما رضي الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ومفاتيح خزائن الدنيا بيده .
وروى ابن سعد في «الأدب» والبخاري وابن أبي الدنيا في «الشعب» عن والبيهقي قال : كنت وأنا مراهق أدخل بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في خلافة الحسن البصري فأتناول سقفها بيدي . عثمان
وروى في «الأدب» البخاري وابن أبي الدنيا عن والبيهقي داود بن قيس قال : رأيت الحجر من جريد النخل مغشى من الخارج بمسوح الشعر ، وأظن عرض البيت الداخل عشرة أذرع ، وأظن مسكنه بين الثماني والسبعة .
وروى محمد بن الحسن المخزومي عن محمد بن هلال قال : أدركت بيوت أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت من جريد ، مستورة بمسوح الشعر مستطيرة في القبلة ، وفي المشرق وفي الشام ليس في غربي المسجد شيء منها ، وكان باب يواجه عائشة الشام ، وكان مصراع واحد من عرعر أو ساج .
وروى عن ابن منده بشر بن صحار العبدي قال : كنت أدخل بيوت أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنال سقفها .
وروى ابن سعد عن عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي مرثد قال : لم يكن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حائط ، وكان أول من بنى عليه جدارا -رضي الله تعالى عنه- . عمر بن الخطاب
قال عبيد الله : كان جداره قصيرا ثم بناه عبد الله بن الزبير .
وفي «تاريخ أن بابه -صلى الله عليه وسلم- كان يقرع بالأظافر . البخاري»
قال السهيلي : فدل على أنه لم يكن لأبوابه خلق .