الأول : قال الحافظ : قوله : «كأنه قطعة قمر» لعله صلى الله عليه وسلم كان حينئذ متلثما ، والموضع [ ص: 41 ] الذي يتبين فيه السرور هو جبينه وفيه يظهر السرور ، وكأن الشبه وقع على بعض الوجه فناسب أن يشبه ببعض القمر .
وقال في المغازي في قصة توبة كعب : ويسأل عن السر في التقييد بالقطعة مع كثرة .
ما ورد في كلام البلغاء من تشبيه الوجه بالقمر بغير تقييد . وقد تقدم تشبيههم له بالشمس طالعة وغير ذلك . وكان كعب قائل هذا من شعراء الصحابة وحاله في ذلك مشهور ، وما قيل في ذلك من الاحتراز من السواد الذي في القمر ليس بقوي ، لأن المراد بتشبيهه ما في القمر من الضياء والاستنارة وهو في تمامه لا يكون فيها أقل مما في القطعة المجردة . ويحتمل أن يكون أراد بقوله «قطعة قمر» القمر نفسه .
وقد روى حديث الطبراني من طرق في بعضها : «كأنه دارة قمر» . كعب بن مالك
وروى عن النسائي رضي الله تعالى عنه في قصة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم ابن مسعود بدر وسؤاله ربه تبارك وتعالى قال : فقال : هذه مصارع القوم العشية التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن شقة وجهه القمر . ثم
ووقع في حديث عند جبير بن مطعم : الطبراني . فهذا محمول على صفته صلى الله عليه وسلم عند الالتفات . التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه مثل شقة القمر
الثاني : هذه التشبيهات الواردة في صفاته صلى الله عليه وسلم إنما هي على عادة الشعراء والعرب ، وإلا فلا شيء من هذه المحدثات يعادل صفاته صلى الله عليه وسلم .
ويرحم الله تعالى القائل حيث قال :
كالبدر والكاف إن أنصفت زائدة فلا تظننها كافا لتشبيه
ويرحم الله تعالى القائل أيضا :يقولون يحكي البدر في الحسن وجهه وبدر الدجى عن ذلك الحسن منحط
كما شبهوا غصن النقا بقوامه لقد بالغوا بالمدح للغصن واشتطوا
الثالث : قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه الله تعالى : كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مستديرا فأراد أن يزيل ما توهمه القائل من معنى الطول الذي في السيف إلى معنى الاستدارة التي في القمر ، لأن القمر يؤنس كل من شاهده ويجمع النور من غير أذى حر ويتمكن من النظر إليه بخلاف الشمس التي تعشي البصر فتمنع من الرؤية . البراء
وقال الحافظ في الفتح : ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقالة فقال [ ص: 42 ]
: لا بل مثل القمر الذي فوق السيف في ذلك ، لأن القمر يشمل التدوير واللمعان بل التشبيه به أبلغ وأشهر . وإنما قال البراء «كان مستديرا» لينبه على أنه جمع الصفتين لأن قوله : مثل السيف يحتمل أن يريد به السائل الطول واللمعان ، فرده المسؤول ردا بليغا ، ولما جرى التعارف في أن التشبيه بالشمس إنما يراد به غالبا الإشراق ، والتشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة دون غيرها أتى بقوله «وكان مستديرا» إشارة إلى أنه أراد التشبيه بالصفتين معا : جابر بن سمرة
الحسن والاستدارة .