الباب الثالث فيما أكله صلى الله عليه وسلم من لحوم الحيوانات
وفيه أنواع :
الأول : في أكله لحم الشاة وما كان يختاره من الأعضاء .
روى البخاري في الشمائل- وصححه- ، والترمذي عن وابن ماجه رضي الله تعالى عنه قال : أبي هريرة أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها .
وروى الإمام أحمد وأبو داود في الشمائل عن والترمذي رضي الله تعالى عنه قال : ابن مسعود كان أحب العراق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع ذراع الشاة ، وكان يعجبه الذراع .
وروى برجال ثقات عنه البزار
فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : ما بقي عندنا منها إلا الذراع ، قال : «بقي كلها إلا الذراع» . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تذبح شاة فيقسمها بين الجيران قال : فوزعها بين الجيران ، ورفعت الذراع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أحب الشاة إليه الذراع ،
وروى وحسنه- عن الترمذي- رضي الله تعالى عنها قالت : عائشة كان الذراع أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان لا يجد اللحم إلا غبا وكان يعجل إليه لأنه أعجله نضجا .
وروى عن أبو نعيم رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عباس كان أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف .
وروى عن ابن ماجه رضي الله تعالى عنه قال : أبي الدرداء . ما دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لحم قط إلا أجاب ، ولا أهدي له لحم إلا قبله
وروى عن مسلم رضي الله تعالى عنها قالت : عائشة . أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم بقر فقيل : هذا ما تصدق به على بريرة فقال : «هو لها صدقة ولنا هدية»
وروى عن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنه قال : . [ ص: 187 ] كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بلحم فجعل القوم يلقمونه اللحم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أطيب اللحم لحم الظهر»
وروى الحاكم عن والبيهقي رضي الله تعالى عنه قال : جابر بن عبد الله . قدمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عناقا فنظر إلي وقال : «قد علمت حبنا اللحم»
وذكر الحديث .
وروى عن أبو نعيم أنس رضي الله تعالى عنهما قالا : وأبي هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الذراعان والكتف .
وروى عن الطبراني رضي الله تعالى عنهما قال : عبد الله بن عمر . كان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمها
وروى الشيخان عن والحميدي عمر بن أمية أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده ، يأكل منها ، فدعي إلى الصلاة فألقاها ، وألقى السكين التي كان يحتز بها ، ثم قام فصلى ، ولم يتوضأ .
وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي ضبيعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنها ، أنها ذبحت في بيتها شاة ، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن أطعمينا من شاتكم ، فقالت للرسول : ما بقي عندنا إلا الرقبة ، وإني لأستحي أن أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرقبة ، فرجع الرسول فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «ارجع إليها فقل : أرسلي بها فإنها هادية الشاة ، وأقرب الشاة إلى الخير وأبعدها من الأذى» . عن
الثاني : في أكله صلى الله عليه وسلم القديد .
روى عن البخاري رضي الله تعالى عنه أنس بن مالك . أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه ، فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرب إليه خبزا من شعير ، ومرقا فيه دباء وقديد
وروى عن النسائي عبد الرحمن بن عابس عن أبيه قال : رضي الله تعالى عنها عن لحوم الأضاحي ، قالت : كنا نخبئ الكراع لرسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا ثم يأكله عائشة . سألت
وروى عنها قالت : ابن ماجه لقد كنا نرفع الكراع فيأكله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خمسة عشر يوما من الأضاحي .
وروى عن أبو الشيخ رضي الله تعالى عنه قال : جابر أكلنا القديد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 188 ]
وروى الأربعة عن رجل قال : . ذبحت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة ونحن مسافرون ، فقال : «أصلح لحمها ، فلم أزل أطعمه منه إلى المدينة»
الثالث : في أكله صلى الله عليه وسلم الشواء .
روى الإمام أحمد وابن ماجه في الشمائل عن والترمذي الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله تعالى عنه قال : . أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد لحما قد شوي ، فمسحنا أيدينا بالحصباء ، ثم قمنا نصلي ولم نتوضأ
وروى أبو يعلى في الكبرى والنسائي رضي الله تعالى عنهما قال : أمر أبي بحريرة فصنعت ، ثم أمرني فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأتيته وهو في المسجد ، فقال لي : «ماذا معك يا جابر بن عبد الله ألحم ذا ؟ » قلت : لا ، فأتيت أبي ، فقال : هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : نعم ، قال لي : يا جابر ؟ ألحم ذا ؟ قال : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون اشتهى اللحم ، قال : فأمر بشاة لنا داجن فذبحت ثم أمر بها فشويت ، ثم أمرني ، فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : «ماذا معك يا جابر جابر ؟ » فأخبرته ، فقال : «جزى الله تعالى الأنصار عنا خيرا ولا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام ، رضي الله تعالى عنهما» وسعد بن عبادة . عن
وروى الشيخان عن والنسائي أبي رافع رضي الله تعالى عنه قال : أشهد لكنت أشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطن الشاة ، ثم صلى ولم يتوضأ .
وروى وحسنه- الترمذي- رضي الله تعالى عنها أنها قربت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه ، ثم قام إلى الصلاة وما توضأ . أم سلمة عن
وروى عن رضي الله تعالى عنه قال : المغيرة بن شعبة . ضفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي ، وأخذ الشفرة فجعل يحز بها منه ، فجاء بلال رضي الله تعالى عنه فآذنه بالصلاة ، فألقى الشفرة وقال : «ما له تربت يداه»
الرابع : في أكله صلى الله عليه وسلم لحم الجزور .
روى عن النسائي رضي الله تعالى عنه قال : جابر رضي الله تعالى عنه قدم بهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الهدي الذي قدم به صلى الله عليه وسلم ، وعلي رضي الله تعالى عنه من اليمن مائة بدنة ، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ثلاثا وستين ، ونحر علي رضي الله تعالى عنه سبعا وثلاثين ، وأشرك عليا رضي الله تعالى عنه في بدنه ، ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلت في [ ص: 189 ] قدر فطبخت ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلي رضي الله تعالى عنه من لحمها وشربا من مرقها . علي كان
الخامس : في أكله صلى الله عليه وسلم سمك البحر المالح .
روى الشيخان وابن أبي عمر عن رضي الله تعالى عنه قال : جابر رضي الله تعالى عنه فجعنا جوعا شديدا فألقى لنا البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له العنبر ، فقال أبو عبيدة : كلوا منه فأكلنا وادهنا ، وأكلنا منه نصف شهر ، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته ، وكان يجلس النفر الخمسة في موقع عينيه ، فلما قدمنا أبو عبيدة بن الجراح المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : «كلو رزقا أخرجه الله تعالى لكم ، وأطعمونا ، إن كان معكم» ، فأتاه بعضهم بشيء فأكله . غزونا جيش الخبط وأميرنا
وروى عن الدارقطني رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عمر
فبلغني أن الناس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه فقال لهم : «معكم منه شيء ؟ » فقالوا : نعم ، فأعطوه منه فأكله . غزونا فجعنا حتى إنا لنقسم التمر التمرة والتمرتين ، فبينا نحن على شط البحر إذ رمى البحر بحوت ميتة ، فاقتطع الناس ما شاءوا من شحم لحم ، وهو مثل الظرب
السادس : في أكله صلى الله عليه وسلم الجراد .
روى الخمسة في الطب وأبو نعيم عن وابن حبان رضي الله تعالى عنه قال : عبد الله بن أبي أوفى غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ست غزوات فكنا نأكل معه الجراد .
وروى عن أبو نعيم رضي الله تعالى عنه قال : أنس كان أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثنني فألتقط لهن الجراد فيقلينه بالزيت ثم يطعمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
السابع : فيما جاء في لحم الفرس .
روى الطبراني رضي الله تعالى عنهما أنهم نحروا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فأكلنا نحن ، وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . أسماء بنت أبي بكر عن
الثامن : في أكله صلى الله عليه وسلم لحم الدجاج .
روى الشيخان عن رضي الله تعالى عنه قال : أبي موسى . [ ص: 190 ] رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم الدجاج
وروى عن ابن عدي رضي الله تعالى عنهما ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أياما ، ثم يأكلها بعد ذلك .
وروى أبو الحسن بن الضحاك عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل الدجاج حبسه ثلاثة أيام .
وروى الشيخان عن رضي الله تعالى عنه قال : أبي بكر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم الدجاج .
التاسع : في أكله صلى الله عليه وسلم لحم الحبارى .
روى أبو داود والترمذي والبيهقي والمحاملي عن وابن عدي سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى .
وروى في الأفراد عن الدارقطني رضي الله تعالى عنه أنس ، قال : بعثتني أمي أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطير مشوي ، ومعه أربعة أرغفة ، فأتيته به فقال : «يا أنس ادع لنا من يأكل معنا من هذا الطير»
فذكر الحديث ، ويأتي في مناقب رضي الله تعالى عنه ، قال علي أبو الحسن ابن الضحاك : قد ذكر عن أن الطير كان حبارى مفسرا ولم يرد هنا مفسرا . أنس
العاشر : في أكله صلى الله عليه وسلم الأرنب .
روى الستة رضي الله تعالى عنه نفجنا أرنبا بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا ، فأدركتها فأخذتها ، فأتيت بها أبا طلحة فذبحها بمروة وشويتها فبعث معي أنس بعجزها ، وفي لفظ بوركها ، وفي لفظ بفخذها ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها ، ولفظ أبو طلحة في الهبة- فأكلها . وفي لفظ : فأكله ، قيل له : أكله ؟ قال : «قبله» . البخاري- عن
وروى عن الدارقطني رضي الله تعالى عنها قالت : عائشة أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرنب وأنا نائمة ، فخبأ لي منها العجز ، فلما قمت أطعمني .
روى عن أبو داود رضي الله تعالى عنهما ابن عمر . أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرنب وأنا جالس ، فلم يأكلها ، ولم ينه عنها ، وذكر أنها تحيض
وروى عن ابن ماجه خزيمة بن جزء رضي الله تعالى عنه أنه قال : يا رسول الله ما تقول في الأرنب ؟ قال : «لا آكله ، ولا أحرمه» ، قلت : فإني آكل ما لم تحرم ، قلت : ولم يا رسول الله ؟ [ ص: 191 ] قال : «إن لها دما
وقال في زاد المعاد : » أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم الجزور ، والضأن ، والدجاج ، ولحم الحبارى ولحم حمار الوحش ، والأرنب ، وطعام البحر .
الحادي عشر : في أكله صلى الله عليه وسلم الحجل .
روى الترمذي وصححه ، والحاكم ، وابن السني عن وأبو نعيم رضي الله تعالى عنه قال : أنس . أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل مشوي فقال : «اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير» ، فجاء علي رضي الله تعالى عنه فأكل منه
الثاني عشر : في أكله صلى الله عليه وسلم لحم شاة من الأروى .
روى أبو إسحاق المذكي في أماليه انتقاء عن الدارقطني حازم رضي الله تعالى عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيد صدته : شاة من الأروى فأهديتها إليه فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل منها وكساني عمامة عدنية وقال لي : «ما اسمك ؟ » قلت : حازم ، قال : «لست بحازم ، ولكنك مطعم» .
الثالث عشر : في أكله صلى الله عليه وسلم لحم حمار الوحش .
روى عن البخاري أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال :
فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألناه عن ذلك فقال : «معكم شيء ؟ » قلت : نعم ، فناولته العضد ، فأكلها حتى نفذها وهو محرم . كنت جالسا مع رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل بطريق مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا ، والقوم محرمون ، وأنا غير محرم ، فأبصروا حمارا وحشيا ، وأنا مشغول أخصف نعلي ، فلم يؤذنوني به ، وأحبوا لو أني أبصرته ، فالتفت فأبصرته ، فقمت إلى الفرس ، فأسرجته : ثم ركبت ونسيت السوط والرمح ، فقلت لهم : ناولوني السوط والرمح ، فقالوا : لا والله لا نعينك عليه بشيء ، فغضبت ، فنزلت ، فأخذتهما ، ثم ركبت وشددت على الحمار فعقرته ، ثم جئت به وقد مات ، فوقعوا فيه يأكلونه ، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهو حرم فرحنا ، وخبأت العضد معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
الرابع عشر : في أكله صلى الله عليه وسلم المخ .
روى أبو بكر أحمد بن مروان المالكي الدينوري في المجالسة عن معن بن كثير عن أبيه أن رضي الله تعالى عنه- قال- أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحفة وجفنة مملوءة [ ص: 192 ] مخا ، فقال : «يا سعد بن عبادة أبا ثابت ما هذا ؟ » فقال : والذي بعثك بالحق لقد نحرت وذبحت أربعين ذات كبد ، فأحببت أن أشبعك من المخ ، قال : فأكل ، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم ، بخير
قال إبراهيم بن حبيب : سمعت أن الخيزران حدثت بهذا الحديث ، فقسمت قسما من مالها على ولد وقالت : أكافئ ولد سعد بن عبادة ، سعد عن فعله برسول الله صلى الله عليه وسلم .