الباب الثالث عشر
في قصر أمله صلى الله عليه وسلم
روى الإمام أحمد ، وابن سعد عن رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يريد الماء فيتمسح بالتراب ، فأقول : يا رسول الله إن الماء قريب ، فيقول : «وما يدريني لعلي لا أبلغه ؟ » .
وروى في قصر الأمل ، ابن أبي الدنيا عن وبقي بن مخلد رضي الله تعالى عنه قال : أبي سعيد الخدري اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ألا تعجبون من أسامة بن زيد أسامة المشتري إلى شهر ؟ إن أسامة لطويل الأمل ، والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفري لا يلتقيان حتى أقبض ، ولا رفعت طرفي فظننت أني واضعه حتى أقبض ، ولا لقمت لقمة إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت» ، ثم قال : «يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى ، والذي نفسي بيده إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين [الأنعام : 134] .
وروى الإمام أحمد ، والبخاري ، والنسائي ، وابن سعد عن والبرقاني ، عقبة بن الحارث قال : انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة العصر فأسرع ، ولم يدركه أحد ، فعجب الناس من سرعته ، فلما رجع إليهم عرف ما في وجوههم ، فقال : «كان عندي تبر فكرهت أن أبيته عندي ، فأمرت بقسمته» .
وروى ابن سعد عن الحسن رضي الله تعالى عنه قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فعرف في وجهه أنه بات قد أهمه أمر ، فقيل : يا رسول الله إنا لا نستنكر وجهك ، كأنك قد أهمك الليلة أمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذاك من أوقيتين من ذهب الصدقة باتتا عندي ، لم أكن وجهتهما» .
وروى أيضا عن رضي الله تعالى عنها قالت : عائشة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية دراهم بعد أن أمسى ، فلم يزل قائما وقاعدا لا يأتيه النوم ، حتى سمع سائلا يسأل ، فخرج من عندي ، فما عدا أن دخل ، فسمعت غطيطه ، فلما أصبح قلت : يا رسول الله رأيتك أو الليلة قائما وقاعدا [ ص: 67 ] لا يأتيك نوم ، حتى خرجت من عندي ، فما عدا أن دخلت فسمعت غطيطك قال : «أجل ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية دراهم بعد أن أمسى ، فما ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لو لقي الله وهي عنده» .
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى ، وقاسم بن ثابت ، برجال الصحيح عن رضي الله تعالى عنها قالت : أم سلمة دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ساهم الوجه ، فحسبت ذلك من وجع ، فقلت يا رسول الله : ما لك ساهم الوجه ؟ قال : «من أجل الدنانير السبعة التي أتتنا أمس أمسينا وهي في خصم الفراش ، فأتتنا ولم ننفقها» .
وروى -برجال ثقات الحميدي رضي الله تعالى عنها : ذهبا كانت أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتثاقل من الليل وهي أكثر من السبعة ، وأقل من التسعة ، فلم يصبح حتى قسمها ، فقال : «ما ظن محمد بربه لو مات وهذه عنده» . عائشة -عن
وروى أبو عبيد القاسم بن سلام في غريبه ، عن والخلعي الحسن بن محمد رحمه الله تعالى قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقيل مالا عنده ولا يبيته ، قال ابن سلام : يعني إن جاءه غدوة لم ينتصف النهار حتى يقسمه ، وإن جاءه عشية لم يبت حتى يقسمه .
تنبيه : في بيان غريب ما سبق :
الأمل : كجبل : الرجاء .
الوليدة : بواو فلام مكسورة ، فمثناة تحتية ، فدال مهملة : واحدة الولائد .
أسيغها : بهمزة مضمومة فسين مهملة ، فتحتية ، فغين معجمة : أي : لم يدخل في حلقي سهلا .
أغص : بهمزة مضمومة ، فغين معجمة مفتوحة ، فصاد مهملة : أشرق به ، ويقف في حلقي .
الغطيط : بغين معجمة ، وروي بخاء معجمة ، وأنكرها ابن بطال : الصوت الذي يخرج مع نفس النائم .
ساهم الوجه : بالمهملة : متغير اللون .
خصم الفراش -بمعجمة فمهملة- : طرفه . [ ص: 68 ]