الوجه الخامس عشر: أن يقال: أنتم تقولون: ليس علوه إلا علو القدرة. فإذا قدر أنه جعل نفسه متيامنا عن العالم أو متياسرا؛ بل جعل نفسه في غمام؛ بل جعل نفسه تحت العرش، ونحو ذلك مما فيه علو شيء فوقه، مع كونه مقتدرا على ذلك، وعلى كل شيء، ومقتدرا على تغيير كل شيء وتحويله، وجعل العالي سافلا وجعل السافل عاليا لم يخرج بذلك عما يستحقه من صفة العلو عندكم وخروجه عن العلو بالجهة لا ينافي الكمال عندكم، فلا يكون في ذلك نقص بحال حتى يكون مستكملا وغير مستكمل. فإن الذي يقول هذا قد لا يقول: إن ذلك صفة كمال؛ بل هو جائز عليه كما يجوز ما يجوز من أفعاله، وكما تجوز رؤيته، وذلك ليس بنقص. ولو قيل: إنه في الجهة أو قيل: إنه واجب أن يكون في الجهة، أو واجب أن يكون متحيزا.
فأنتم موافقون على أن كونه غير عال بالجهة ليس بصفة نقص، فالذي يقول: إنه عال إذا قال لكم سواء في حقه علا على العالم، أو لم يعل، وسواء كان في الجهة أو لم يكن: هو في [ ص: 182 ] الحالين غير موصوف بصفة نقص، بل هو موصوف بالقدرة على هذا كله، فإن هذا القائل أثبت له من صفة القدرة التي هي العلو عندكم أعظم مما أثبتموه، ولم يثبت له نقصا بحال، وإذا كان كذلك لم يجب أن يكون علوه بالجهة لا كمالا ولا نقصا إذا كانت قدرته كاملة على التقديرين، وهو العلو عندكم. وإذا كان كذلك لم يكن ما هو أعلى منه لو كان موجودا أكمل منه، ولم يكن هو مستكملا بذلك الغير لأن ذلك فرع كون ذلك كمالا، وهذا قد وافقتموه على أنه ليس بكمال وهو قد وافقكم على ما هو كمال وأثبته أكمل مما أثبتموه، فلا يلزم من قال: إنه على العرش أن يكون غيره أكمل منه، ولا أنه مستكمل بغيره.