وأيضا فلو كان نعمتي؛ لكان [ ص: 347 ] لا فضيلة معنى قوله بيدي لآدم عليه السلام على إبليس في ذلك على مذاهب مخالفينا؛ لأن الله قد ابتدأ إبليس بنعمة على قولهم كما ابتدأ بذلك لآدم، فليس تخلو النعمتان أن يكون عنى بهما بدن آدم أو تكونا عرضين خلقا في آدم، فإن كان عنى بذلك بدن آدم فالأبدان عند مخالفينا من المعتزلة جنس واحد، وإذا كان الأبدان عندهم جنسا واحدا فقد حصل في جسد إبليس على مذاهبهم من النعمة ما حصل في جسد آدم، وكذلك إن كان عنى عرضين فليس من عرض فعله في بدن آدم من لون أو حياة أو قوة أو غير ذلك إلا وقد فعل من جنسه عندهم في بدن إبليس، فهذا يوجب أنه [ ص: 348 ] لا فضيلة لآدم على إبليس في ذلك، والله عز وجل إنما احتج على إبليس بذلك ليريه أن لآدم في ذلك الفضيلة، فدل ما قلناه على أن الله عز وجل، قال : خلقت بيدي [ص 75] لم يعن نعمتي.
ويقال لهم ما أنكرتم أن يكون الله عز وجل عنى بقوله يدي يدين ليستا نعمتين، فإن قالوا: لأن اليدين إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة، قيل لهم: ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة؟ فإن قالوا: رجعنا إلى الشاهد وإلى ما نجد فيما بيننا مخلوقا، فوجدنا ذلك إذا لم [ ص: 349 ] يكن نعمة في الشاهد لم يكن إلا جارحة، قيل لهم: إن كان رجوعكم إلى الشاهد وعليه عملتم وبه قضيتم على الله عز وجل، فكذلك لم تجدوا حيا من الخلق إلا جسما ولحما ودما فاقضوا بذلك على ربكم تعالى وإلا كنتم لقولكم تاركين ولاعتلالكم ناقضين، وإن أثبتم حيا لا كالأحياء فلم أنكرتم أن تكون اليدان التي أخبر الله عنهما يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين [ ص: 350 ] ولا كالأيدي، وكذلك يقال لم تجدوا مدبرا حكيما إلا إنسانا، وأثبتم الباري مدبرا حكيما ليس كالإنسان، وخالفتم الشاهد، فقد نقضتم اعتلالكم، فلا تمنعوا من إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين من أجل أن ذلك خلاف للشاهد.