[ ص: 161 ] ولمن تأول في التوحيد الصواب لقد تأولت أنت فيه غير الصواب؛ إذ ادعيت أن الله لا يدرك ولن يدرك بشيء من هذه إذ هو في دعواك لا شيء، والله مكذب من ادعى هذه الدعوى في كتابه؛ إذ يقول عز وجل: الحواس الخمس؛ وكلم الله موسى تكليما [النساء 164] ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم [البقرة 174] وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [القيامة 22-23] فأخبر في كتابه أن موسى أدرك منه الكلام بسمعه، وهو أحد الحواس عندك وعندنا، ويدرك في الآخرة بالنظر إليه بالأعين وهي الحاسة الثانية، كما قال الله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [القيامة 22-23] [ ص: 162 ] وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ترون ربكم يوم القيامة كما ترون الشمس والقمر جهرا لا تضارون في رؤيته..
عدي بن حاتم الطائي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان. وروى عنه
فذاك الناطق من قول الله وهذا الصحيح المشهور من [ ص: 163 ] قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأي حواس بأبين من هذا؟! فلذلك قلنا: إن المعارض قد تأول فيه غير الصواب..
وروى أبو عبد الرحمن السلمي فيما صنفه في ذم الكلام ما ذكره أيضا من طريق في تصنيفه المشهور في ذلك، قال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي أبو عبد الرحمن، سمعت يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن حامد السجزي أبي يقول: قلت لأبي العباس ابن سريج: ما التوحيد؟ قال: [ ص: 164 ] أشهد أن لا إله إلا الله وأن توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين محمدا رسول الله، الخوض في الأعراض والأجسام، وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك وهذا النفي الذي يذكره النفاة ويفسرون به اسم الله الواحد وغير ذلك هو عند أهل السنة والجماعة مستلزم لعدمه مناف لما وصف به نفسه في كتابه من أنه الأحد الصمد وأنه العلي العظيم وأنه الكبير المتعال وأنه استوى على العرش، وأنه يصعد إليه ويعرج إليه ويوقف عليه، وأنه يرى في الآخرة كما ترى الشمس والقمر، وأنه يكلم عباده وأنه السميع البصير، وقوله: وتوحيد أهل الباطل وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه [الزمر 67] إذ هو لا يكون [ ص: 165 ] له قدر في نفسه وإنما قدره عندهم في القلوب، وكذلك لا يكون له في نفسه عظمة وإنما عظمته في النفوس.