أقسام : إذ منهم من يكون عمله إجابة لباعث الخوف فإنه يتقي النار . ونيات الناس في الطاعات
ومنهم من يعمل إجابة لباعث الرجاء ، وهو الرغبة في الجنة وهذا وإن كان نازلا بالإضافة إلى قصد طاعة الله وتعظيمه لذاته ولجلاله لا لأمر سواه فهو من جملة النيات الصحيحة ؛ لأنه ميل إلى الموعود في الآخرة ، وإن كان من جنس المألوفات في الدنيا ، وأغلب البواعث باعث الفرج والبطن وموضع قضاء وطرهما الجنة فالعامل لأجل الجنة عامل لبطنه وفرجه كالأجير السوء ودرجته درجة البله .
وإنه لينالها بعمله ؛ إذ أكثر أهل الجنة البله وأما عبادة ذوي الألباب فإنها لا تجاوز ذكر الله تعالى ، والفكر فيه لجماله لماله وجلاله وسائر الأعمال تكون مؤكدات وروادف وهؤلاء أرفع درجة من الالتفات إلى المنكوح والمطعوم في الجنة فإنهم لم يقصدوها بل هم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه فقط وثواب الناس بقدر نياتهم فلا جرم يتنعمون بالنظر إلى وجهه الكريم ، ويسخرون ممن يلتفت إلى وجه الحور العين كما يسخر المتنعم بالنظر إلى الحور العين ممن ، يتنعم بالنظر إلى وجه الصور المصنوعة من الطين بل أشد فإن التفاوت بين جمال حضرة الربوبية وجمال الحور العين أشد وأعظم كثيرا من التفاوت بين جمال الحور العين والصور المصنوعة من الطين بل استعظام النفوس البهيمية الشهوانية لقضاء الوطر من مخالطة الحسان وإعراضهم عن جمال وجه الله الكريم يضاهي استعظام الخنفساء لصاحبتها وإلفها لها وإعراضها عن النظر إلى جمال وجوه النساء فعمى أكثر القلوب عن إبصار جمال الله وجلاله يضاهي عمى الخنفساء عن إدراك جمال النساء بأنها ، لا تشعر به أصلا ، ولا تلتفت إليه ولو كان لها عقل وذكرن لها لاستحسنت عقل من يلتفت إليهن ولا يزالون مختلفين ، كل حزب بما لديهم فرحون ، ولذلك خلقهم .
حكي أن أحمد بن خضرويه رأى ربه عز وجل في المنام فقال له كل الناس يطلبون مني الجنة إلا أبا يزيد فإنه يطلبني ورأى أبو يزيد ربه في المنام فقال : يا رب كيف الطريق إليك فقال : اترك نفسك وتعال إلي .
. ورؤي الشبلي بعد موته في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : لم يطالبني على الدعاوي بالبرهان إلا على قول واحد . قلت يوما أي خسارة أعظم من خسران الجنة فقال أي خسارة أعظم من خسران لقائي .
والغرض أن هذه النيات متفاوتة الدرجات ومن غلب على قلبه واحدة منها ربما لا يتيسر له العدول إلى غيرها .
ومعرفة هذه الحقائق تورث أعمالا وأفعالا لا يستنكرها الظاهريون من الفقهاء فإنا نقول : من حضرت له نية في مباح ، ولم تحضر في فضيلة فالمباح أولى وانتقلت الفضيلة إليه وصارت الفضيلة في حقه نقيصة لأن الأعمال بالنيات .
وذلك مثل العفو ؛ فإنه أفضل من الانتصار في الظلم وربما تحضره نية في الانتصار دون العفو ، فيكون ذلك أفضل .
ومثل أن يكون له نية في الأكل والشرب والنوم ليريح نفسه ويتقوى على العبادات في المستقبل وليس تنبعث نيته في الحالين للصوم والصلاة ، فالأكل والشرب والنوم هو الأفضل له ، بل لو مل العبادة لمواظبته عليها ، وسكن نشاطه ، وضعفت رغبته ، وعلم أنه لو ترفه ساعة بلهو وحديث عاد نشاطه فاللهو أفضل له من الصلاة .
قال أبو الدرداء إني لأستجم نفسي بشيء من اللهو فيكون ذلك عونا لي على الحق وقال كرم الله وجهه : روحوا القلوب فإنها إذا أكرهت عميت . علي
وهذه دقائق لا يدركها إلا سماسرة العلماء دون الحشوية منهم بل الحاذق بالطب قد يعالج المحرور باللحم مع حرارته ، ويستبعده القاصر في الطب وإنما يبتغي به أن يعيد أولا قوته ليحتمل المعالجة بالضد والحاذق في لعب الشطرنج مثلا قد ينزل عن الرخ والفرس مجانا ليتوصل بذلك إلى الغلبة والضعيف البصيرة قد يضحك به ويتعجب منه .
وكذلك الخبير بالقتال قد يفر بين يدي قرينه ويوليه دبره حيلة منه ليستجره إلى مضيق فيكر عليه فيقهره .
فكذلك سلوك طريق الله تعالى كله قتال مع الشيطان ومعالجة للقلب والبصير الموفق يقف فيها على لطائف من الحيل يستبعدها الضعفاء ولا للمتعلم أن يعترض على أستاذه بل ينبغي أن يقف عند حد بصيرته وما لا يفهمه من أحوالهما يسلمه لهما إلى أن ينكشف له أسرار ذلك بأن يبلغ رتبتهما وينال درجتهما ومن الله حسن التوفيق . فلا ينبغي للمريد أن يضمر إنكارا على ما يراه من شيخه