والدنيا بالإضافة إلى الله تعالى ونعيم الآخرة أخس من خزفة بالإضافة إلى جوهرة ، فهذا هو . الكمال في الزهد
وسببه كمال المعرفة ومثل هذا الزاهد آمن من خطر الالتفات إلى الدنيا كما أن تارك الخزفة بالجوهرة آمن من طلب الإقالة في البيع .
قال أبو يزيد رحمه الله تعالى لأبي موسى عبد الرحيم في أي شيء تتكلم ؟ قال في الزهد ، قال في أي شيء ؟ قال في الدنيا فنفض يده وقال : ظننت أنه يتكلم في شيء والدنيا . لا شيء أيش ، يزهد فيها .
ومثل من ترك الدنيا للآخرة عند أهل المعرفة وأرباب القلوب المعمورة بالمشاهدات والمكاشفات مثل من منعه من باب الملك كلب على بابه فألقى إليه لقمة من خبز فشغله بنفسه ودخل الباب ونال القرب عند الملك حتى نفذ أمره في جميع مملكته أفترى أنه يرى لنفسه يدا عند الملك بلقمة خبز ألقاها إلى كلبه في مقابلة ما قد ناله فالشيطان كلب على باب الله تعالى يمنع الناس من الدخول مع أن الباب مفتوح والحجاب مرفوع والدنيا كلقمة خبز إن أكلت فلذتها في حال المضغ وتنقضي على القرب بالابتلاع ثم يبقى ثقلها في المعدة ثم تنتهي إلى النتن والقذر ثم يحتاج بعد ذلك إلى إخراج ذلك الثقل فمن تركها لينال عز الملك كيف يلتفت إليها ، ونسبة الدنيا كلها أعني ما يسلم لكل شخص منها وإن عمر مائة سنة بالإضافة إلى نعيم الآخرة أقل من لقمة بالإضافة إلى ملك الدنيا إذ لا نسبة للمتناهي إلى ما لا نهاية له ، والدنيا متناهية على القرب ولو كانت تتمادى ألف ألف سنة صافية عن كل كدر لكان لا نسبة لها إلى نعيم الأبد فكيف ومدة العمر قصيرة ولذات الدنيا مكدرة غير صافية ، فأي نسبة لها إلى نعيم الأبد فهذا ، تفاوت درجات الزهد ، وكل درجة من هذه أيضا لها درجات ، إذ تصبر المتزهد يختلف ويتفاوت أيضا باختلاف قدر المشقة في الصبر ، وكذلك درجة المعجب بزهده بقدر التفاته إلى زهده .