السادس : يتقي مواقع الشبهات ، ومظان الريب ولا ينظر إلى الفتاوى بل يستفتي قلبه فإذا وجد فيه حزازة اجتنبه وإذا حمل إليه سلعة رابه أمرها سأل عنها حتى يعرف وإلا أكل الشبهة وقد حمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لبن ، فقال : من أين لكم هذا فقالوا ؟ : من الشاة فقال : ومن أين لكم هذه الشاة ؟ فقيل : من موضع كذا ، فشرب منه ثم قال : أن لا يقتصر على اجتناب الحرام ، بل
وقال : إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال إنا معاشر الأنبياء ، أمرنا أن لا نأكل إلا طيبا ، ولا نعمل إلا صالحا . يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أصل الشيء ، وأصل أصله ، ولم يزد ; لأن ما وراء ذلك يتعذر .
وسنبين في كتاب الحلال والحرام ، موضع وجوب هذا السؤال ، فإنه كان عليه السلام ، لا يسأل عن كل ما يحمل إليه .
وإنما الواجب أن ينظر التاجر إلى من يعامله ، فكل منسوب إلى ظلم ، أو خيانة أو سرقة أو ربا فلا يعامله وكذا الأجناد والظلمة ، لا يعاملهم البتة ، ولا يعامل أصحابهم ، وأعوانهم ; لأنه معين بذلك على الظلم .
وحكي عن رجل : أنه تولى عمارة سور لثغر من الثغور .
قال : فوقع في نفسي من ذلك شيء ، وإن كان ذلك العمل من الخيرات ، بل من فرائض الإسلام ، ولكن كان الأمير الذي تولى في محلته من الظلمة .
قال فسألت سفيان رضي الله عنه فقال : لا تكن عونا لهم على قليل ولا كثير ، فقلت هذا سور في سبيل الله للمسلمين فقال : نعم ، ولكن أقل ما يدخل عليك ، أن تحب بقاءهم ليوفوك أجرك ، فتكون قد أحببت بقاء من يعصي الله .
وقد جاء في الخبر : من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه .
وفي الحديث : إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق .
وفي حديث آخر : من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام .
ودخل سفيان على المهدي وبيده درج أبيض فقال يا سفيان أعطني الدواة حتى أكتب ، فقال أخبرني أي شيء تكتب ، فإن كان حقا أعطيتك .
وطلب بعض الأمراء من بعض العلماء المحبوسين عنده ، أن يناوله طينا ليختم به الكتاب فقال ناولني الكتاب أولا ، حتى أنظر ما فيه فهكذا ومعاملتهم أشد أنواع الإعانة ، فينبغي أن يجتنبها ذوو الدين ما وجدوا إليه سبيلا . كانوا يحترزون عن معاونة الظلمة
وبالجملة : فينبغي أن ينقسم الناس عنده إلى : من يعامل ، ومن لا يعامل ، وليكن من يعامله أقل ممن لا يعامله في هذا الزمان ، قال بعضهم أتى على الناس زمان ، كان الرجل يدخل السوق ، ويقول من ترون لي أن أعامل من الناس ؟ فيقال له : عامل من شئت .
ثم أتى زمان آخر كانوا يقولون : عامل من شئت إلا فلانا ، وفلانا ، ثم أتى زمان آخر ، فكان يقال لا تعامل أحدا إلا فلانا وفلانا ، وأخشى أن يأتي زمان ، يذهب هذا أيضا .
وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون إنا ، لله وإنا إليه راجعون .