الخامس : أن الزيف نعني به ما لا نقره فيه أصلا بل هو مموه أو ما لا ذهب فيه أعني : في الدنانير .
أما ما فيه نقرة ، فإن كان مخلوطا بالنحاس ، وهو نقد البلد فقد وجل رأينا الرخصة فيه إذا كان ذلك نقد البلد سواء علم مقدار النقرة أو لم يعلم وإن لم يكن هو نقد البلد لم يجز إلا إذا علم قدر النقرة فإن كان في ماله قطعة نقرتها ناقصة عن نقد البلد ، فعليه أن يخبر به معامله وأن لا يعامل به إلا من لا يستحل الترويج في جملة النقد بطريق التلبيس فأما من يستحل ذلك فتسليمه إليه تسليط له على الفساد فهو كبيع العنب ممن يعلم أنه يتخذه خمرا ، وذلك محظور وإعانة على الشر ومشاركة فيه وسلوك طريق الحق بمثال هذا في التجارة ، أشد من المواظبة على نوافل العبادات والتخلي ، لها ولذلك قال بعضهم التاجر الصدوق أفضل عند الله من المتعبد وقد كان السلف يحتاطون في مثل ذلك ، حتى روي عن بعض الغزاة في سبيل الله أنه قال : حملت على فرسي لأقتل علجا فقصر بي فرسي فرجعت ، ثم دنا مني العلج ، فحملت ثانية فقصر فرسي فرجعت ، ثم حملت الثالثة فنفر مني فرسي وكنت لا أعتاد ذلك منه ، فرجعت حزينا وجلست منكس الرأس منكسر القلب ; لما فاتني من العلج وما ظهر لي من خلق الفرس فوضعت رأسي على عمود الفسطاط وفرسي قائم فرأيت في النوم كأن الفرس يخاطبني ، ويقول لي : بالله عليك ، أردت أن تأخذ على العلج ثلاث مرات ، وأنت بالأمس اشتريت لي علفا ، ودفعت في ثمنه درهما زائفا لا يكون هذا أبدا . اختلف العلماء في المعاملة عليه
قال : فانتبهت فزعا فذهبت إلى العلاف وأبدلت ذلك الدرهم فهذا مثال ما يعم ضرره ، وليقس عليه أمثاله .