ثم لما كان انقسم الناس إلى قسمين إلى من أعرض فنسي وهم الكفار وإلى من أجال خاطره فتذكر فكان كمن حمل شهادة فنسيها بغفلة ثم تذكرها . الإيمان مركوزا في النفوس بالفطرة
ولذلك قال عز وجل : لعلهم يتذكرون وليتذكر أولو الألباب واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر وتسمية هذا النمط تذكرا ليس ببعيد فكأن التذكر ضربان أحدهما .
أن يذكر صورة كانت حاضرة الوجود في قلبه لكن غابت بعد الوجود الآخر .
والآخر أن يذكر صورة كانت مضمنة فيه بالفطرة .
وهذه حقائق ظاهرة للناظر بنور البصيرة ثقيلة على من يستر وجه السماع والتقليد دون الكشف والعيان .
ولذلك تراه يتخبط في مثل هذه الآيات ويتعسف وفي تأويل التذكر بإقرار النفوس أنواعا من التعسفات ويتخايل إليه في الأخبار والآيات ضروب من المناقضات وربما يغلب ذلك عليه حتى ينظر إليها بعين الاستحقار ويعتقد فيها التهافت .
ومثاله مثال الأعمى الذي يدخل دارا فيعثر فيها بالأواني المصفوفة في الدار فيقول ما لهذه الأواني لا ترفع من الطريق وترد إلى مواضعها ، فيقال له إنها : في مواضعها وإنما الخلل في بصرك .
فكذلك ، خلل البصيرة يجري مجراه وأطم منه وأعظم إذ النفس كالفارس والبدن كالفرس وعمى الفارس أضر من عمى الفرس ولمشابهة بصيرة الباطن ، لبصيرة الظاهر قال الله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى وقال تعالى : وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض الآية وسمي ضده عمى فقال تعالى : فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وقال تعالى : ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا وهذه الأمور التي كشفت للأنبياء بعضها كان بالبصر ، وبعضها كان بالبصيرة وسمي الكل رؤية .
وبالجملة من لم تكن بصيرته الباطنة ثاقبة لم يعلق به من الدين إلا قشوره وأمثلته دون لبابه وحقائقه .
فهذه أقسام ما ينطلق اسم العقل عليها .