الثالث المتعلم : فحكمه حكم العالم في ترتيب الأوراد ولكن يشتغل بالاستفادة حيث يشتغل العالم بالإفادة وبالتعليق والنسخ حيث يشتغل العالم بالتصنيف ويرتب أوقاته كما ذكرنا ، وكل ما ذكرناه في فضيلة التعلم والعلم من كتاب العلم يدل على أن ذلك أفضل ، بل إن لم يكن متعلما على معنى أنه يعلق ويحصل ليصير عالما ، بل كان من العوام فحضوره مجالس الذكر والوعظ والعلم أفضل من اشتغاله بالأوراد التي ذكرناها بعد الصبح وبعد الطلوع ، وفي سائر الأوقات ، ففي حديث والاشتغال بالتعلم أفضل من الاشتغال بالأذكار والنوافل رضي الله عنه : أن حضور مجلس ذكر أفضل من صلاة ألف ركعة ، وشهود ألف جنازة ، وعيادة ألف مريض أبي ذر وقال وقال صلى الله عليه وسلم إذا : رأيتم رياض الجنة فارتعوا فيها فقيل : يا رسول الله وما رياض الجنة ؟ قال : حلق الذكر رضي الله عنه لو أن ثواب مجالس العلماء بدا للناس لاقتتلوا عليه حتى يترك كل ذي إمارة إمارته ، وكل ذي سوق سوقه وقال كعب الأحبار رضي الله عنه إن : الرجل ليخرج من منزله وعليه من الذنوب مثل جبال تهامة ، فإذا سمع العالم خاف واسترجع عن ذنوبه وانصرف ، إلى منزله ، وليس عليه ذنب ، فلا تفارقوا مجالس العلماء فإن الله عز وجل لم يخلق على وجه الأرض تربة أكرم من مجالس العلماء ، وقال رجل عمر بن الخطاب للحسن رحمه الله أشكو إليك قساوة قلبي فقال : أدنه من مجالس الذكر .
ورأى عمار الزاهدي مسكينة الطفاوية في المنام ، وكانت من المواظبات على حلق الذكر فقال مرحبا يا مسكينة ، فقالت : هيهات هيهات ، ذهبت المسكنة وجاء الغنى . فقال : هيه فقالت ما : تسأل عمن أبيح لها الجنة بحذافيرها قال وبم : ذلك قالت : بمجالسة أهل الذكر وعلى الجملة فما ينحل عن القلب من عقد حب الدنيا بقول واعظ حسن الكلام زكي السيرة أشرف وأنفع من ركعات كثيرة مع اشتمال القلب على حب الدنيا