بيان الأعمال الباطنة ووجه الإخلاص في النية ، وطريق الاعتبار .
بالمشاهد الشريفة وكيفية الافتكار فيها ، والتذكر لأسرارها .
ومعانيها من أول الحج إلى آخره .
اعلم أن أول الحج الفهم أعني فهم موقع الحج في الدين ثم الشوق إليه ثم العزم عليه ثم قطع العلائق المانعة منه ثم شراء ثوب الإحرام ثم شراء الزاد ثم اكتراء الراحلة ثم الخروج ثم المسير في البادية ثم
nindex.php?page=treesubj&link=3418الإحرام من الميقات بالتلبية ثم دخول
مكة ثم استتمام الأفعال كما سبق .
وفي كل واحد من هذه الأمور تذكرة للمتذكر وعبرة للمعتبر وتنبيه للمريد الصادق وتعريف وإشارة للفطن .
فلنرمز إلى مفاتحها حتى إذا انفتح بابها وعرفت أسبابها انكشفت لكل حاج من أسرارها ما يقتضيه صفاء قلبه وطهارة باطنه وغزارة فهمه .
أما الفهم اعلم أنه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا بالتنزه عن الشهوات والكف عن اللذات والاقتصار على الضرورات فيها والتجرد لله سبحانه في جميع الحركات والسكنات .
ولأجل هذا انفرد الرهبانيون في الملل السالفة عن الخلق ، وانحازوا إلى قلل الجبال وآثروا التوحش عن الخلق لطلب الأنس بالله عز وجل فتركوا لله عز وجل اللذات الحاضرة وألزموا أنفسهم المجاهدات الشاقة طمعا في الآخرة وأثنى ، الله عز وجل عليهم في كتابه فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون فلما اندرس ذلك وأقبل الخلق على اتباع الشهوات وهجروا التجرد لعبادة الله عز وجل ، وفتروا عنه بعث الله عز وجل نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم لإحياء طريق الآخرة ، وتجديد سنة المرسلين في سلوكها .
فسأله أهل الملل عن الرهبانية والسياحة في دينه ، فقال صلى الله عليه وسلم : أبدلنا الله بها الجهاد
nindex.php?page=treesubj&link=17781والتكبير على كل شرف يعني الحج .
وسئل صلى الله عليه وسلم عن السائحين فقال : هم الصائمون فأنعم الله عز وجل على هذه الأمة بأن جعل الحج رهبانية لهم
nindex.php?page=treesubj&link=34370فشرف البيت العتيق بالإضافة إلى نفسه تعالى .
ونصبه مقصدا لعباده وجعل ما حواليه حرما لبيته تفخيما لأمره .
وجعل
عرفات كالميزاب على فناء حوضه ، وأكد حرمة الموضع بتحريم صيده وشجره .
ووضعه على مثال حضرة الملوك يقصده الزوار من كل فج عميق ، ومن كل أوب سحيق شعثا غبرا متواضعين لرب البيت ، ومستكينين له خضوعا لجلاله واستكانة لعزته مع الاعتراف بتنزيهه عن أن يحويه بيت ، أو يكتنفه بلد ليكون ذلك أبلغ في رقهم وعبوديتهم وأتم في إذعانهم وانقيادهم .
ولذلك وظف عليهم فيها أعمالا لا تأنس بها النفوس ولا تهتدي إلى معانيها العقول كرمي الجمار بالأحجار والتردد بين الصفا والمروة على سبيل التكرار .
وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرق والعبودية .
، فإن الزكاة إرفاق ووجهه مفهوم وللعقل إليه ميل .
والصوم كسر للشهوة التي هي آلة عدو الله
بَيَانُ الْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَوَجْهُ الْإِخْلَاصُ فِي النِّيَّةِ ، وَطَرِيقُ الِاعْتِبَارِ .
بِالْمَشَاهِدِ الشَّرِيفَةِ وَكَيْفِيَّةِ الِافْتِكَارِ فِيهَا ، وَالتَّذَكُّرِ لِأَسْرَارِهَا .
وَمَعَانِيهَا مِنْ أَوَّلِ الْحَجِّ إِلَى آخِرِهِ .
اعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ الْحَجِّ الْفَهْمُ أَعْنِي فَهْمَ مُوقِعِ الْحَجِّ فِي الدِّينِ ثُمَّ الشَّوْقُ إِلَيْهِ ثُمَّ الْعَزْمُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَطْعُ الْعَلَائِقِ الْمَانِعَةِ مِنْهُ ثُمَّ شِرَاءُ ثَوْبِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ شِرَاءُ الزَّادِ ثُمَّ اكْتِرَاءُ الرَّاحِلَةِ ثُمَّ الْخُرُوجُ ثُمَّ الْمَسِيرُ فِي الْبَادِيَةِ ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3418الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ دُخُولُ
مَكَّةَ ثُمَّ اسْتِتْمَامُ الْأَفْعَالِ كَمَا سَبَقَ .
وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ تَذْكِرَةٌ لِلْمُتَذَكِّرِ وَعِبْرَةٌ لِلْمُعْتَبِرِ وَتَنْبِيهٌ لِلْمُرِيدِ الصَّادِقِ وَتَعْرِيفٌ وَإِشَارَةٌ لِلْفَطِنِ .
فَلْنَرْمُزْ إِلَى مَفَاتِحِهَا حَتَّى إِذَا انْفَتَحَ بَابُهَا وَعُرِفَتْ أَسْبَابُهَا انْكَشَفَتْ لِكُلِّ حَاجٍّ مِنْ أَسْرَارِهَا مَا يَقْتَضِيهِ صَفَاءُ قَلْبِهِ وَطَهَارَةُ بَاطِنِهِ وَغَزَارَةُ فَهْمِهِ .
أَمَّا الْفَهْمُ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا وُصُولَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَّا بِالتَّنَزُّهِ عَنْ الشَّهَوَاتِ وَالْكَفِّ عَنِ اللَّذَّاتِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الضَّرُورَاتِ فِيهَا وَالتَّجَرُّدِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي جَمِيعِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ .
وَلِأَجْلِ هَذَا انْفَرَدَ الرَّهْبَانِيّونَ فِي الْمِلَلِ السَّالِفَةِ عَنْ الْخَلْقِ ، وَانْحَازُوا إِلَى قُلَلِ الْجِبَالِ وَآثَرُوا التَّوَحُّشَ عَنِ الْخَلْقِ لِطَلَبِ الْأُنْسِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَرَكُوا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اللَّذَّاتِ الْحَاضِرَةَ وَأَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمُ الْمُجَاهَدَاتِ الشَّاقَّةَ طَمَعًا فِي الْآخِرَةِ وَأَثْنَى ، اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ فَلَمَّا انْدَرَسَ ذَلِكَ وَأَقْبَلَ الْخَلْقُ عَلَى اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ وَهَجَرُوا التَّجَرُّدَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَفَتَرُوا عَنْهُ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْيَاءِ طَرِيقِ الْآخِرَةِ ، وَتَجْدِيدِ سُنَّةِ الْمُرْسَلِينَ فِي سُلُوكِهَا .
فَسَأَلَهُ أَهْلُ الْمِلَلِ عَنِ الرَّهْبَانِيَّةِ وَالسِّيَاحَةِ فِي دِينِهِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَبْدَلَنَا اللَّهُ بِهَا الْجِهَادَ
nindex.php?page=treesubj&link=17781وَالتَّكْبِيرَ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ يَعْنِي الْحَجَّ .
وَسُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّائِحِينَ فَقَالَ : هُمُ الصَّائِمُونَ فَأَنْعَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنْ جَعَلَ الْحَجِّ رَهْبَانِيَّةً لَهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=34370فَشَرَّفَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى نَفْسِهِ تَعَالَى .
وَنَصَّبَهُ مَقْصِدًا لِعِبَادِهِ وَجَعَلَ مَا حَوَالَيْهِ حَرَمًا لِبَيْتِهِ تَفْخِيمًا لِأَمْرِهِ .
وَجَعَلَ
عَرَفَاتٍ كَالْمِيزَابِ عَلَى فِنَاءِ حَوْضِهِ ، وَأَكَّدَ حُرْمَةَ الْمَوْضِعِ بِتَحْرِيمِ صَيْدِهِ وَشَجَرِهِ .
وَوَضْعِهِ عَلَى مِثَالِ حَضْرَةِ الْمُلُوكِ يَقْصِدُهُ الزُّوَّارُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، وَمِنْ كُلِّ أَوْبٍ سَحِيقٍ شُعْثًا غُبْرًا مُتَوَاضِعِينَ لِرَبِّ الْبَيْتِ ، وَمُسْتَكِينِينَ لَهُ خُضُوعًا لِجَلَالِهِ وَاسْتِكَانَةً لِعِزَّتِهِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِتَنْزِيهِهِ عَنْ أَنْ يَحْوِيَهُ بَيْتٌ ، أَوْ يَكْتَنِفَهُ بَلَدٌ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي رِقِّهِمْ وَعُبُودِيَّتِهِمْ وَأَتَمَّ فِي إِذْعَانِهِمْ وَانْقِيَادِهِمْ .
وَلِذَلِكَ وَظَّفَ عَلَيْهِمْ فِيهَا أَعْمَالًا لَا تَأْنَسُ بِهَا النُّفُوسُ وَلَا تَهْتَدِي إِلَى مَعَانِيهَا الْعُقُولُ كَرَمْيِ الْجِمَارِ بِالْأَحْجَارِ وَالتَّرَدُّدِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّكْرَارِ .
وَبِمِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ يَظْهَرُ كَمَالُ الرِّقِّ وَالْعُبُودِيَّةِ .
، فَإِنَّ الزَّكَاةَ إِرْفَاقٌ وَوَجْهُهُ مَفْهُومٌ وَلِلْعَقْلِ إِلَيْهِ مَيْلٌ .
وَالصَّوْمُ كَسْرٌ لِلشَّهْوَةِ الَّتِي هِيَ آلَةُ عَدُوِّ اللَّهِ