باب: في الإمام يستخلف، وفيمن لم يصل مع خليفة الإمام، وإذا لم يستخلف واستخلفوا لأنفسهم، أو صلوا وحدانا، أو طائفتين بإمامين
ومن المدونة قال مالك: قيل وإذا أحدث الإمام فله أن يستخلف. فإن قدم الإمام رجلا هل يكون إماما قبل أن يبلغ موضع الإمام الأول؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، إلا أن مالكا قال: إذا أحدث الإمام فله أن يستخلف. لابن القاسم:
قال الشيح: إذا قبل استخلاف الإمام كان إماما في موضعه ذلك، فإن كان موضع الإمام قريبا تقدم إليه، وإن كان بعيدا صلى بهم في موضعه. ويستحب للإمام الأول أن يستخلف من الصف الأول، قال وإن استخلف بكلام وقال: يا فلان تقدم بهم، لم يضرهم; لأنه في غير صلاة. ابن القاسم:
وقال في العتبية: وإن قدمه في بعض القراءة قرأ الثاني من حيث انتهى الأول. وقيل: يستخلف قبل أن يرفع رأسه; لئلا يرفعوا برفعه. وإن أحدث راكعا فليرفع رأسه ويستخلف من يدب راكعا فيرفع بهم.
قال وإن استخلف في الجلوس تقدم بهم جالسا، وفي القيام يتقدم بهم قائما. [ ص: 541 ] ابن القاسم:
وقال في كتاب ابنه: وإن سحنون فصلاتهم تامة. استخلف الإمام رجلا فلم يتقدم حتى تقدم غيره وصلى المستخلف وراءه-
فلم ير استخلاف الإمام مما يلزم المستخلف قبوله، ولا يكون باستخلافه إماما، وحمل قول مالك: له أن يستخلف- أن ذلك جائز; لأن ذلك من حسن النظر لهم لما كانوا ممنوعين من الكلام، وليس بلازم له ولا لهم أن يستخلف; لأنهم إنما التزموا إمامة الأول، ولم يجعلوا له أن يستخلف; لأن ما حدث على الإمام أمر طرأ لم يتحسسوا إليه في حين ائتمامهم به، فيجعلوا له أن يستخلف عليهم فيه، فإذا غلب الإمام على تمام الصلاة- كانوا في حكم أنفسهم، فإن استخلف الإمام الأول رجلا مكانه كان المستخلف بالخيار بين القبول والترك، وإن قبل أيضا كانوا بالخيار بين الصلاة خلفه أو يستخلفوا غيره. وهذا الذي يقتضيه قول سحنون.
واختلف في ثلاثة مواضع:
أحدها: إذا صلوا وحدانا بغير إمام.
والثاني: إذا صلوا بإمامين.
والثالث: إذا استخلف الإمام من فاتته ركعة، فقام بعد فراغه من صلاة الإمام للقضاء، فيما يفعله من خلفه؟
فقال في المدونة: إذا صلوا وحدانا كانت صلاتهم تامة. [ ص: 542 ] ابن القاسم
وقال ابن عبد الحكم في كتاب محمد: لا تجزئهم. قال: فليعد. ومن ابتدأ الصلاة بإمام فأتمها فذا، أو ابتدأها فذا وأتمها بإمام
قال: وكذلك من لزمه أن يقضي فذا فقضى بإمام. يريد: مثل من فاتتهم ركعة فلا يقضونها بإمام.
وقول في الذين قضوا بعد حدث الإمام أفذاذا- أحسن; لأنهم إنما دخلوا على إمامة رجل بعينه، فلما غلبوا عليه بقوا أفذاذا بغير إمام، فصلوا على ما بقوا عليه، ولم تلزمهم إمامة آخر; لأنهم لم يكونوا التزموها. ابن القاسم
وقال في مدونته: إن قدموا رجلين فأم هذا طائفة وهذا طائفة- كانت صلاة جميعهم مجزئة، وبئس ما صنعت الطائفة الثانية بتقديمها الإمام. أشهب
وهذا موافق لقول لأنه إذا صح أن يصلوا كل واحد لنفسه- صح أن يصلوا بإمامين، أو بعضهم بإمام وبعضهم لنفسه. ابن القاسم;
وعلى قول ابن عبد الحكم لا يصلون طائفتين، وإن فعلوا صحت صلاة من استخلف أولا، إلا أن يكون الثاني أحق بالإمامة.
وقال في مدونته: إن أشهب فإن هذا المقيم يصلي تمام صلاة المسافر، فإذا تشهد قام فصلى لنفسه تمام صلاة المقيم. وإن تأخر إذا تشهد من غير أن يسلم وقدم رجلا من المسافرين فسلم بهم، ثم قام المقيمون فقضوا ما بقي عليهم من صلاتهم وحدانا بغير إمام- [ ص: 543 ] رأيت ذلك جائزا، وإن قام فصلى لنفسه بقية صلاة المقيم فاتبعه المقيمون وثبت المسافرون جلوسا حتى أتم بالمقيمين ثم سلم بهم وسلموا جميعا بسلامه المقيمون والمسافرون- رأيت ذلك مجزئا عنهم جميعا. وعلى قول أحدث الإمام وهو مسافر وخلفه مسافرون ومقيمون، فقدم رجلا من المقيمين، وكان الإمام صلى بهم ركعة بسجدتيها: ابن عبد الحكم تفسد صلاة من اتبعه من المقيمين.
وذكر في المجموعة قولا ثالثا: أن سحنون أن لهم أن يقوموا لقضائها فيصليها كل واحد منهم لنفسه ثم يسلمون بسلامه. الإمام إذا استخلف من فاتته ركعة فقام لقضائها بعد فراغه من صلاة الإمام ومعه من فاتته تلك الركعة-
قال الشيخ -رضي الله عنه-: كل ذلك واسع وأرى من فاتته ركعة إذا كان المستخلف من فاتته ركعة وقام لقضائه بالخيار بين خمسة أوجه:
إن شاؤوا صلوا تلك الركعة وسلموا وانصرفوا، قياسا على الطائفة الأولى في صلاة الخوف، أنها تتم الآن وتنصرف، ولا تنتظر فراغ صلاة الإمام.
وإن شاؤوا استخلفوا من يسلم بهم كما قال أشهب.
وإن شاؤوا قضوا معه ما سبقهم به الإمام أو أفذاذا.
وإن شاؤوا أمهلوا حتى يسلموا بسلامه; لأنه إذا كان كل واحد منهم في قضاء لم يكن بين فراغهم بعد.
وإن شاءوا صبروا حتى يقضي المستخلف ركعة ثم يقضون، قياسا على حديث في الطائفة الأولى في صلاة الخوف: [ ص: 544 ] أنهم لا يتمون حتى تنقضي صلاة إمامهم. وبه أخذ أشهب. ابن عمر