ينابيع البدع والخرافات والضلالات
وغالب البدع والضلالات التي حدثت في الإسلام، قديما وحديثا، فسببها هذا المزج والخلط.
ولو بقي الدين على صرافته، والإسلام على محوضته، كما كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كان لهذه البدع والمحدثات مدخل في فساد الملة وأهلها.
ولكن جاء البرد والجبات، فأصيب الإسلام وأهله بهذه الفنون العقلية، والكمالات الفلسفية، التي هي -في الحقيقة- نقص وجهل بحت، مصيبة لا يساويها مصيبة، وابتلي برزية لا يرجى الإياب منها لأحد، إلا من رحمه الله، وحفظه وصانه بمنه وكرمه، وكانت سهامها فيه مصيبة، ولم ينج منها إلا شرذمة من أهل السنة ثلة من الأولين وقليل من الآخرين [الواقعة: 13-14] وقليل ما هم [ص: 24] وقليل من عبادي الشكور [سبأ: 13].
وقد خدع علم هؤلاء الكفار آخر هذه الأمة كما خدع أولها من بعد القرون المشهود لها بالخير.
وأنت خبير بأن الشيء لا يكون شيئا حقيقة إلا إذا كان باقيا على حالته الحقيقية، لا يشوبه غيره.
فإذا شابه غيره، فقد خرج عنه، ودخل في ذلك الغير.
ولا يصح أن يقال له: إنه على حاله؛ كالماء إذا مزجته بالورد يسمى: ماء الورد، لا الماء المطلق.
فالإسلام إنما يسمى إسلاما إذا كان على صرافته التي جاء بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والإيمان إنما يسمى إيمانا إذا بقي على محوضته التي وردت السنة بتعريفه.
وكذلك الإحسان لا يكون إحسانا إلا إذا صدق عليه ما ورد فيه من الحديث الصحيح الذي يقال له: حديث جبريل.
[ ص: 245 ] وكل شيء زاد عليه، فقد نقص به الإسلام، وسقط به قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم .
فإن الشيء المكمل لا يحتاج إلى الزيادة فيه، فإن زيد فيه فهو في الحقيقة نقص له، ويلزم منه الكذب في قوله تعالى، حاشاه عن ذلك.
وقد كفى هذا القرآن الصرف والحديث المحض أهل الصدر الأول. فما ندري كيف لا يكفيان لآخر هذه الأمة، ومن لم يسعه ما وسعهم فلا وسع الله عليه، ولا بارك له فيه.
وهذا التقدير -وإن كان يثقل على أهل هذا الزمان من العامة والأعيان- فنحن مأمورون بالقول به؛ طلبا لرضاء الرحمن، وإيضاحا للحق واضح البيان.
فإن كنت ممن بقي فيهم بقية من الحياء، الذي هو شعبة من الإيمان، فأنت تقبله إن شاء الله تعالى.
وإن كنت ممن لهم عدول عن الحق، وفضول من العلم الذي هو في الحقيقة جهل، فإنك تنكره باللسان، بل بالجنان، وإنما المهدي من هداه الله، وبه التوفيق، وهو المستعان.