أصناف الناس في فهمهم منفعة العبادة ، وحكمتها
الصنف الأول : نفاة الحكم ، والعلل الذين يردون الأمر إلى نفس المشيئة ، وصرف الإرادة :
فهؤلاء عند القيام بها ليس إلا لمجرد الأمر من غير أن تكون سببا لسعادة في معاش ، أو معاد ، أو سببا لنجاة .
وإنما القيام بها لمجرد الأمر ، ومحض المشيئة كما قالوا في الخلق : لم يخلق لغاية ، ولا لعلة هي المقصودة به ، ولا لحكمة تعود إليه منه ، وليس في المخلوقات أسباب تكون مقتضيات لمسبباتها ، وليس في النار سببية الإحراق ، ولا في الماء قوة الإغراق ، ولا التبريد .
وهكذا الأمر عندهم سواء ، لا فرق بين الخلق والأمر ، ولا فرق في نفس الأمر بين المأمور والمحظور . [ ص: 323 ]
ولكن المشيئة اقتضت أمره بهذا، أو نهيه عن هذا ، من غير أن يقوم بالمأمور صفة تقتضي حسنه ، ولا بالمنهي صفة تقتضي قبحه .
ولهذا الأصل لوازم ، وفروع كثيرة .
وهؤلاء غالبهم لا يجدون حلاوة العبادة ، ولا لذتها ، ولا يتنعمون بها .
ولهذا يسمون الصلاة والصيام ، والزكاة ، والحج ، والتوحيد ، والإخلاص ونحو ذلك: تكاليف ؛ أي : كلفوا بها .
ولو سمى مدع محبة ملك من الملوك ، أو غيره ما يأمره به تكليفا ، لم يعد محبا له ، وأول من صدرت عنه هذه المقالة : الجعد بن درهم .