وأما فروعه ، فهي كثيرة ، وكذلك مظانه التي دلت عليها أدلة الكتاب ، والسنة ، وتنصيص العلماء بالله ، وسيأتي جميع ذلك في هذا الكتاب بابا بابا .
وأما في قول صاحب «الحجة » : ليس المراد من الدعاء : العبادة ، بل هو الاستعانة .
فأقول : إن ، وقد ثبت كون الدعاء هو العبادة بأدلة صحيحة واضحة ، لا تحتمل تأويلا ولا توجيها ؛ كما سيأتي في هذا الكتاب -إن شاء الله تعالى - . الاستعانة أيضا نوع من العبادة
والحاصل -كما قال في رد الإشراك - أن الإشراك الذي نزل الكتب الإلهية لإبطاله ، وبعث الأنبياء لمحقه ، ليس مقصورا على أن يعتقد أحد أن معبوده مماثل للرب -تبارك وتعالى - في وجوب الوجود ، أو إحاطة العلم بجميع الكائنات ، أو الخالقية لأصول العالم ؛ كالسماء والأرض ، أو المتصرف في جميع الممكنات .
فإن هذا الاعتقاد ليس من شأن الإنسان أن يتلوث به .
اللهم إلا إن كان ممسوخا كفرعون ، وأمثاله .
وليس لأحد أن يذعن بأن الكتب الإلهية إنما نزلت ، والأنبياء إنما أرسلت وبعثت لأجل إصلاح أمثال هؤلاء الممسوخين فقط .
كيف ، ومشركو العرب الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: مشركين ، وقاتلهم ، وأراق دماءهم ، وسبى ذراريهم ، ونهب أموالهم ، لم يكونوا مذعنين بهذا الاعتقاد ؛ [ ص: 282 ] بدليل قوله تعالى : قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون [المؤمنون : 88-89] .
وأمثال هذه الآية الكريمة كثيرة جدا .
بل معناه : أن يشرك أحدا ممن سوى الله معه تعالى في الألوهية ، أو الربوبية .
: أن يعتقد في حق أحد أنه بلغ في الاتصاف بصفات الكمال ؛ من العلم المحيط ، أو التصرف بمجرد القهر والإرادة مبلغا جل عن المماثلة والمجانسة مع سائر المخلوقين . ومعنى الألوهية
وذلك بأن يعتقد أنه ما من أمر يحدث - سواء كان من قبل الجواهر أو الأعراض ، من الأقوال أو الأفعال ، أو الاعتقاد أو العزائم ، والإرادات والنيات - إلا وهو ممتنع أن يغيب عن علمه ، وهو شاهد عليه ، أو يعتقد أنه يتصرف في الأشياء بالقهر ؛ أي : ليس تصرفه فيها من جملة الأسباب ، بل هو قاهر على الأسباب .
: أنه بلغ في رجوع الحوائج ، واستحلال المشكلات ، واستدفاع البلايا بمجرد الإرادة والقهر على الأسباب مبلغا استحق به غاية الخضوع ، والاستدلال . ومعنى الربوبية
أي : ليس للتذلل لديه ، والخضوع عنده حد محدود ، فما من تذلل وخضوع إلا وهو مستحسن بالنسبة إليه ، وهو مستحق له .
فتحقق أن الإشراك على نوعين :
1-إشراك في العلم .
2-وإشراك في التصرف .
ويتفرع منهما : الإشراك في العبادات .
وذلك بأنه إذا اعتقد في أحد أن علمه محيط ، أو تصرفه قاهر ، فلا بد أنه يتذلل عنده ، ويفعل لديه أفعال التعظيم والخضوع ، ويعظمه تعظيما لا يكون من جنس التعظيمات المتعارفة فيما بين الناس ، وهو المسمى بالعبادة . [ ص: 283 ]