[ ص: 289 ]
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم .
[34] إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم أي: فإن جاؤوا قبل القدرة عليهم تائبين، استثناء مخصوص بما هو حق الله تعالى، يدل عليه قوله عز وجل: فاعلموا أن الله غفور رحيم .
اتفق الأئمة رضي الله عنهم على أن حكم هذه الآية مرتب في المحاربين، وهم قطاع الطريق من أهل الإسلام، وإن كانت نزلت في المرتدين، وقد ثبت في "صحيح مسلم" و"كتاب النسائي" وغيرهما: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما سمل أعين أولئك; لأنهم سملوا أعين الرعاء، فكان هذا قصاصا منه.
فقال واختلفوا فيمن يستحق اسم المحاربة، رحمه الله: لا تكون المحاربة في المصر، إنما تكون خارجا من المصر، وخالفه أبو حنيفة فقال: لو كان في المصر ليلا، أو بينهم وبين المصر أقل من مسيرة سفر، فهم قطاع الطريق، وعليه الفتوى; نظرا لمصلحة الناس، وقال أبو يوسف مالك والشافعي رحمهم الله تعالى: حكمهم في المصر والصحراء واحد. [ ص: 290 ] وأحمد
واختلفوا في فقال حكم المحارب، رحمه الله: إذا قتل ولم يأخذ مالا، قتل، وإن لم يكن المقتول مكافئا له، وإن أخذ المال ولم يقتل، قطعت يده ورجله من خلاف، وإذا أخذ المال وقتل، فالسلطان مخير فيه، إن شاء قطع يده ورجله، وإن شاء لم يقطع، وقتله وصلبه، ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام. أبو حنيفة
وقال مالك: يحكم عليهم بما شاء من الأحكام التي أوجبها الله تعالى; من القتل، أو الصلب، أو القطع، أو النفي، وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا، على ما يراه فيهم ردعا لهم، ولا يشترط أن يكون المقتول مكافئا له كقول الإمام مخير في الحكم على المحاربين، رحمه الله. أبي حنيفة
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا أخذ المال، قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، فإن عاد، فيسراه ويمناه، وإذا قتل من يكافئه، قتل حتما، وإذا أخذ المال وقتل، قتل، ثم صلب ثلاثا.
وقال رحمه الله: إذا قتل من يكافئه أولا; كولده وعبد، وذمي، وأخذ المال، قتل حتما، ثم صلب المكافئ دون غيره، وصلبه حتى يشتهر، ومن قتل ولم يأخذ المال، قتل حتما، فلا أثر لعفو ولي، ولم يصلب، ومن أخذ المال ولم يقتل، قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد، وحسمتا، وخلي، فإن كانت يمينه مقطوعة، أو مستحقة في قصاص، أو شلاء، قطعت رجله اليسرى فقط، فإذا أخاف السبيل ولم يأخذ المال ولم يقتل; نفي بالاتفاق. واختلفوا في معنى النفي. أحمد
فقال رحمه الله: نفيه سجنه، فينفى من سعة الدنيا إلى [ ص: 291 ] ضيقها، وقال أبو حنيفة هو أن يطلب أبدا بالخيل والرجل حتى يوجد فيقام عليه حد الله تعالى، أو يخرج من دار الإسلام هربا ممن يطلبه. مالك:
وقال -رحمه الله-: يخرج من بلد إلى بلد، ويطلب لتقام عليه الحدود. الشافعي
وقال يشرد، فلا يترك يأوي إلى بلد ولو عبدا حتى تظهر توبته، وإن كانوا جماعة نفوا متفرقين. أحمد:
وهل يعتبر النصاب في المال الذي يأخذه المحارب كما يعتبر في السارق؟ فقال لا يعتبر، وقال الثلاثة: يعتبر، ويأتي ذكر النصاب قريبا عند تفسير آية السرقة. مالك:
واتفقوا على أن فإن تاب المحاربون، وجاؤوا تائبين قبل القدرة عليهم، سقط عنهم ما كان حدا لله تعالى، وأخذوا بحقوق الآدميين من نفس وجراح ومال، باتفاق. للرجل أن يقاتل عن نفسه وأهله وماله، فإن كف المحارب، تركه، وإن لم يكف وقتله، فدمه هدر،
* * *