فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب .
[37] فتقبلها ربها أي: قبل مريم من حنة.
بقبول أي: بأمر ذي قبول.
حسن وأصل القبول: الرضا; أي: سلك بها سبيل السعداء.
وأنبتها نباتا حسنا سوى خلقها، فكانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام، ولما وضعتها أمها حملتها وأتت بها إلى المسجد، ووضعتها عند الأحبار وهم يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة، وقالت: دونكم هذه المنذورة، فتنافسوا فيها; لأن أباها كان من أئمتهم، فقال زكريا: أنا أحق بها; لأن خالتها زوجتي، فقالوا: لا حتى نقترع، فقرعهم زكريا، وأخذها، فذلك قوله تعالى:
وكفلها زكريا أي: ضمها إليه. قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، : (وكفلها) بتخفيف الفاء (زكرياء) بالرفع [ ص: 445 ] على أنه فاعل (وكفلها)، وقرأ ويعقوب عاصم، وحمزة، والكسائي، : (وكفلها) بتشديد الفاء; أي: جعله الله كافلا لها، وخلف عن فأبو بكر ينصب الهمزة مع التشديد على أنه مفعول به، وبقية الكوفيين يقرؤون عاصم (زكريا) مقصورا بغير همز حيث وقع. فلما ضمها زكريا، بنى لها غرفة في المسجد، وانقطعت في تلك الغرفة للعبادة، وكان لا يدخل على مريم غير زكريا فقط، وكان كلما دخل عليها زكريا وهو ابن آدن بن مسلم بن صدوق من أولاد سليمان بن داود عليه السلام، عاش أكثر من مئة سنة، وقتله اليهود لعنة الله عليهم; لأنه لما ولدت مريم المسيح من غير بعل، وقع اليهود في حقه بما لا يليق ذكره، وطلبوه، فهرب واختفى في شجرة عظيمة، فقطعوا الشجرة، وقطعوا زكريا معها، وكان ذلك بعد ولادة المسيح بقليل وقبره بذيل جبل طور زيتا بمقابر الأنبياء ببيت المقدس، وقيل: بقرية سبسطية من أرض نابلس، وقيل: بجامع دمشق، وبين وفاته والهجرة الشريفة الإسلامية ست مئة ونحو ثلاثين سنة.
المحراب أي: الغرفة، والمحراب: أشرف المجالس، فكأنها وضعت في أشرف مكان من المسجد، وكان زكريا إذا خرج يغلق عليها سبعة أبواب، فإذا دخل عليها. [ ص: 446 ]
وجد عندها رزقا فاكهة الصيف في الشتاء، وعكسه.
قال يا مريم أنى أي: من أين.
لك هذا الرزق، والأبواب مغلقة عليك.
قالت هو من عند الله أي: من الجنة، تكلمت وهي صغيرة.
إن الله يرزق من يشاء بغير حساب أي: بغير محاسبة.