وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم . [ ص: 516 ]
[22] وقال الشيطان لما قضي الأمر فرغ من الحساب، ودخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، قام خطيبا في الأشقياء فقال:
إن الله وعدكم وعد الحق الذي لا ريب فيه، وهو البعث والحساب، والجنة والنار، فوفى لكم به.
ووعدتكم وعد الباطل، وهو أن لا بعث ولا حساب، ولا جنة ولا نار.
فأخلفتكم كذبتكم.
وما كان لي عليكم من سلطان تسلط ألجئكم به إلى الكفر. قرأ حفص عن (لي) بفتح الياء، والباقون: بإسكانها عاصم: إلا أن دعوتكم إلا دعائي إياكم، وهو استثناء منقطع، تقديره: لكن دعوتكم.
فاستجبتم لي أسرعتم إجابتي.
فلا تلوموني بوسوستي.
ولوموا أنفسكم حيث أطعتموني، ولم تطيعوا ربكم.
ما أنا بمصرخكم بمغيثكم.
وما أنتم بمصرخي قراءة العامة: (بمصرخي) بفتح الياء، وقرأ بكسرها، قال حمزة: ابن الجزري: وهو لغة بني يربوع، نص على ذلك [ ص: 517 ] قطرب، وأجازها هو والفراء، وإمام اللغة والنحو والقراءة وقال أبو عمرو بن العلاء، القاسم بن معن النحوي: هي صواب، ولا عبرة بقول وغيره ممن ضعفها أو لحنها؛ فإنها قراءة صحيحة اجتمعت فيها الأركان الثلاثة، وقرأ بها أيضا الزمخشري يحيى بن وثاب، وسليمان بن مهران الأعمش، وحمران بن أعين، وجماعة من التابعين، وقياسها في النحو صحيح، وذلك أن الياء الأولى، وهي ياء الجمع، جرت مجرى الصحيح لأجل الإدغام، فدخلت ساكنة عليها ياء الإضافة، وحركت بالكسر على الأصل في اجتماع الساكنين، وهذه اللغة شائعة ذائعة باقية في أفواه الناس إلى اليوم، يقولون: ما في أفعل كذا، ويطلقونها في كل ياءات الإضافة المدغم فيها، فيقولون: ما علي منك، ولا إلي أمرك، وبعضهم يبالغ في كسرتها حتى تصير ياء، انتهى. وقال الشيطان:
إني كفرت بما أشركتمون من قبل أي: بإشراككم إياي في الدنيا مع الله في الطاعة؛ أي: تبرأت منه واستنكرته. قرأ أبو عمرو، (أشركتموني) بإثبات الياء وصلا، وأبو جعفر: بإثباتها في الحالين، وحذفها الباقون فيهما. ويعقوب:
إن الظالمين لهم عذاب أليم تتمة كلام الخبيث.
* * *