ومع ذلك فإنهم أرادوا بإمالتها الفرق بينها وبين الحروف، حسب ما قدمناه، وهي وإن كانت في هذه المواضع حروف تهج; فإنها قد تكون أسماء في نحو قولك: (الهاء حرف هار)، وشبهه، ومن خص الراء منهن بالإمالة; فلما تقدم من استعمال العرب الإمالة لها، ومن أجلها، ومن خص الياء; فلشبه الإمالة بها، وقد قالوا: (السيال) و (الهيال)، فأمالوا، ومن خص الهاء; فلشبهها بالياء في الخفاء. ومن أمال حروف التهجي التي على حرفين; فلأنهم يقولون إذا بنوا منها فعلا: (هييت هاء)، و (حييت حاء)، وذلك دليل على أنهم اعتقدوا أن الألف منقلبة عن ياء،
[ ص: 262 ] وفتح هذه الحروف هو الأصل، فلا يحتاج إلى احتجاج لخروجه عن أصله، وكذلك الفتح في سائر المختلف فيه; لأن هذه الحروف جوامد، لا حظ لها في التصرف.
وإمالة التوراة [آل عمران: 3]; لأن أصله: (فوعلة) في قول البصريين، و (تفعلة) في قول الكوفيين، فهي (وورية)، أو (تورية)، فألفها منقلبة عن ياء.
فأما أولى لك فأولى [القيامة: 34]; فوزنها عند الخليل: (فعلى)، مشتق من (آل يؤول)، والمعنى: قارب أن يصير إلى الهلاك، وقال غيره: وزنها: (أفعل)، من (ولي)، فكأن المعنى: وليه المكروه.
وقال ابن كيسان: هي من (الويل)، فقولهم: (أولى له) بمنزلة: (ويل له)، فأصل أولى على هذا: (أويل)، فقلب، فالإمالة سائغة على الوجوه كلها.
وأما أنى [البقرة: 223] التي للاستفهام; فقال أمالوها; لأنها مثل: (أين) ; كـ (خلف)، وإنما هو اسم صار ظرفا، فقرب من (عطشى). سيبويه:
[ ص: 263 ] ابن مجاهد: يحتمل أن يكون وزنها: (فعلى)، و (أفعل)، واختار (فعلى)، فتمال إذا كانت (فعلى)، ولأبي عمرو بين اللفظين، وتفتح إذا كانت (أفعل)، وقد تجوز إمالتها قياسا على متى [البقرة: 214].
وإمالة يا حسرتا [الزمر: 56]، و يا ويلتا [المائدة: 31]، و يا أسفى [يوسف: 84]; لأن أصل ألفهن ياء إضافة.
فأما متى [البقرة: 214]; فهو ظرف، ومعناه: (أي حين؟)، قال وقد قرب من (عطشى)، قال: ولو سميت به رجلا، ثم ثنيته; لقلت: (متيان). سيبويه:
فأما بلى [البقرة: 81]; فإنها أميلت; لتضمنها معنى الفعل; [من حيث كانت تقع جوابا بعده، وتوجب وتحقق بعد النفي، إذا قيل لك: لم يقم زيد، قلت: بلى; ولا معنى: بلى قام زيد، فأميلت; لتضمنها معنى الفعل]، وهي على ثلاثة أحرف، وقد قالوا: (يا زيد)، فأمالوا; لتضمنه معنى الفعل.
وذهب الكوفيون إلى أن أصلها: (بل)، فزيدت عليها ألف التأنيث; كما زيدت التاء في (لات)، و (ثمت)، وقالوا ذلك; لأن (بل) تستعمل للإضراب عما قبلها، والإيجاب لما بعدها، فلما كان ما بعد بلى يكون محققا موجبا; حملوها محمل (بل).
فأما يحيى [مريم: 7] اسم النبي عليه السلام; فإن النحويين تكلفوا وزنه ووزن غيره من الأسماء التي كانت أعجمية في الأصل، ثم عربت; ليعلموا ما ألحق بالأبنية [ ص: 264 ] منها، فذهب الخليل في (يحيى) إلى أنه (يفعل)، وهو الظاهر، والأشبه به، وقد ذهب بعض النحويين إلى أنه (فعلى)، ولم يأت كون الفاء واللام ياء إلا في (يد)، أصلها: (يدي).
و موسى [البقرة: 51]: يحتمل أن يكون (مفعل)، من (أسي) ; إذا حزن، أو من (أسوت الجرح) ; إذا أصلحته، ويحتمل أن يكون (فعلى)، من (ماس يميس); إذا مال، ومذهب سيبويه: أنه (مفعل)، واستدل على ذلك بصرفه في النكرة.
واشتقاق عيسى [البقرة: 87] يجوز أن يكون من (العيس); وهو بياض الإبل، أو (العوس); وهو السياسة، فقلبت الواو منه ياء; لانكسار ما قبلها، ووزنه عند (فعلى)، وألفه للإلحاق، وألفه عند الكوفيين للتأنيث، ووزنه أيضا (فعلى). سيبويه:
وذكر الشذائي: أن وزنه (فعلل)، وهو بعيد; لأن بنات الأربعة لا [ ص: 265 ] تكون الواو والياء أصلا فيها، فيجوز أن يكون أراد أنه ملحق بـ (فعلل).
وإنما ذكرت مذاهب الناس في هذه الأسماء; ليعلم وجه إمالتها، وما يصنع به من يخص (فعلى) و (فعلى) و (فعلى) بالإمالة فيها.