المبحث السادس: الشرط السادس: السلامة من الدين
( ) وصية المدين
يشترط سلامة الموصي من الدين المحيط، والمعتبر في ذلك هو وقت الموت، لا وقت الوصية.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أن يكون الدين محيطا
إذا كان الموصي وقت الوصية مفلسا أحاط الدين بماله، إلا أنه قضاه قبل الموت، أو سقط عنه بوجه من الوجوه، فإن وصيته تصح وتنفذ.
وأما إذا كان وقت الوصية لا دين عليه، ثم أحاط الدين بماله بعد ذلك، ومات وهو كذلك، فإن وصيته تكون موقوفة على إجازة الغرماء، كسائر تبرعاته، فإن أجازوها مضت، وإن ردوها بطلت، إلا أن يقضي دينه، أو يسقط عنه، تقديما لقضاء الدين على الوصية.
وهذا قول جمهور الفقهاء.
[ ص: 381 ] القول الثاني: بطلان وصية من أحاط الدين بماله.
وهو قول الحنفية ، . وابن حزم
الأدلة:
أدلة القول الأول:
1 - قوله تعالى: إن ترك خيرا ، وهذا لم يترك شيئا; لأن ماله للغرماء.
2 - حديث علي رضي الله عنه قال: من بعد وصية توصون بها أو دين وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية . إنكم تقرؤون هذه الآية:
(161) 3 - ما رواه من طريق البخاري أنه سمع سعيد بن المسيب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبا هريرة . "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول"
والوصية نوع من الصدقة، أو ملحقة بها، والمدين الذي أحاط الدين بماله فقير، فلا وصية له.
4 - ولأن أداء الدين واجب، والوصية تطوع، والواجب مقدم على المندوب.
5 - ولأن ما في يد المدين المفلس هو في الحقيقة مال الغرماء، وهم أحق به من الموصى له.
6 - أنه لما كان الحق يتعلق بالغرماء كانت الوصية صحيحة موقوفة على [ ص: 382 ] إجازتهم ولم تكن باطلة رغم النهي عنها; لأن النهي عنها لأمر خارجي يتعلق بحق آدمي، فلا يدل على فساد المنهي عنه كما يقول الأصوليون.
دليل القول الثاني: أنها وصية بمال الغير، فلا تصح.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن حال الموصي لا يخلو من أمرين:
الأول: أن يملك ما يتمكن به من قضاء دينه قبل موته فتصح وصيته; إذ الاعتبار في حال الموت.
الثاني: أن لا يملك ما يتمكن به من قضاء دينه ، فتنفذ وصيته بالإجازة.
ومنشأ الخلاف: هل السلامة من الدين: شرط نفاذ أو شرط صحة؟
الترجيح:
الأرجح - والله أعلم -: قول جمهور أهل العلم; إذ الأصل صحة الوصية.
* * *