المطلب الثاني: الوصية بمشاع من ماله لم يملكه
مثاله: أن يوصي بثلث ماله، وهو لا يملك شيئا حال الوصية، فللعلماء في ذلك رأيان:
القول الأول: صحة الوصية إذا ملك شيئا عند موته.
وهو قول جمهور أهل العلم.
وحجته: ما تقدم من أدلة القول الأول في المسألة السابقة.
القول الثاني: عدم صحة الوصية.
وبه قال . ابن حزم
قال: "ومن أوصى بأكثر من ثلث ماله، ثم حدث له مال لم يجز من وصيته إلا مقدار ثلث ما كان له حين الوصية; لأن ما زاد على ذلك عقده عقدا حراما لا يحل كما ذكرنا، وما كان باطلا فلا يجوز أن يصح في ثان; إذ لم يعقد، ولا محال أكثر من عقد لم يصح حكمه إذ عقد، ثم يصح حكمه إذ لم يعقد.
فلو أوصى بثلثه فأقل، ثم نقص ماله حتى لم يحتمل وصيته، ثم زاد لم [ ص: 366 ] ينفذ من وصيته إلا مقدار ثلث ما رجع إليه من ماله; لأن وصيته بما زاد على ثلث ما رجع إليه ماله قد بطلت، وما بطل فلا سبيل إلى عودته دون أن تبتدئ إعادته بعقد آخر، إذ قد بطل العقد الأول.
فلو أوصى بأكثر من ثلث ماله عامدا، وله مال لم يعلم به لم ينفذ إلا في مقدار ثلث ما علم فقط; لأنه عقد ما زاد على ذلك عقد معصية، فهو باطل.
فلو قال في كل ما ذكرنا: إن رزقني الله مالا فإني أوصي منه بكذا، أو قال: أوصي إذا مات أن يخرج عنه ثلث ما يتخلف، أو جزءا مشاعا أقل من الثلث - أو قال: فيخرج مما يتخلف كذا وكذا: فهذا جائز وتنفذ وصيته من كل ما كسبه قبل موته وبعد تلك الوصية، بأي وجه كسبه، أو بأي وجه صحيح ملكه، بميراث أو غيره، علم به أو لم يعلم ; لأنه عقد عقدا صحيحا فيما يتخلفه، ولم يخص بوصيته ما يملك حين الوصية، وقد عقد وصيته عقدا صحيحا لم يتعد فيه ما أمر الله عز وجل، فهي وصية صحيحة كما ذكرنا".
ونوقش كلام : بعدم تسليم ما ذكره من أن من أوصى بشيء لا يملكه لا يجوز، ولا ينفذ من الوصية إلا ما يملكه حال الوصية; لأن اعتبار الثلث إنما هو حال الموت كما سيأتي تحريره في بيان وقت اعتبار الثلث في باب الموصى به. ابن حزم
وعلى هذا فالأقرب قول جمهور أهل العلم.
* * *
[ ص: 367 ]