المبحث الرابع: وصية الضرار
هي التي يقصد منها الموصي حرمان ورثته من التركة، أو من بعض حقهم فيها، وذلك بأن يوصي بجميع ماله، أو بأكثر من الثلث، أو لوارث، أو يقر بدين حال مرضه وهو كاذب فيه، أو غير ذلك من المقاصد التي يكون الباعث عليها المضارة بالورثة لا قصد البر والتقرب إلى الله عز وجل.
والله سبحانه وتعالى حينما جعل للإنسان حقا معلوما في ماله عند مفارقته الحياة -تفضلا منه وإحسانا- إنما جعله ليتدارك ما عساه أن يكون قد فرط فيه أيام حياته من القرب، وليصل بالمودة من يريد صلته؛ زيادة في الأجر والثواب، ولم يجعل له هذا الحق لكي يضار به ورثته، أو يورث به بينهم العداوة والبغضاء، ويدل لهذا:
1 - الله سبحانه وتعالى حينما أمر بالوصية جعلها قائمة على العدل والقسط، فقال تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ، والمعروف هو: العدل الذي لا وكس فيه ولا شطط، بل عرفه الشرع ولم ينكره.
2 - أنه سبحانه وتعالى نهى عن الضرار في الوصية آخر آيات المواريث فقال: وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم [ ص: 69 ] وحرم الضرار في مواضع متنوعة، مما يدل على تحريمه على وجه الإطلاق؛ كقوله تعالى: ولا يضار كاتب ولا شهيد ، وقوله تعالى: لا تضار والدة بولدها ، وقوله تعالى: ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن .
3 - ونهى صلى الله عليه وسلم عن الضرار مطلقا فقال:
(9) ما رواه من طريق أحمد ، عن جابر عكرمة ، عن رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن عباس . "لا ضرر ولا ضرار"
[ ص: 70 ] فيدخل في عمومه ضرار الوصية.
(10) 4 - ما رواه من طريق الدارقطني بكر بن سهل ، نا عبد الله بن يوسف ، نا عمر بن المغيرة ، نا ، عن داود بن أبي هند عكرمة ، عن رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابن عباس "الإضرار في الوصية من الكبائر" .
(11) 5 - ما رواه الإمام من طريق أحمد ، عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة : "واقرؤوا إن شئتم: أبو هريرة تلك حدود الله إلى قوله: وله عذاب مهين [النساء: 14]" . "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في وصيته، فيختم له بشر عمله، فيدخل النار، [ ص: 71 ] وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل في وصيته، فيختم له بخير عمله، فيدخل الجنة" قال: ثم يقول
(12) 6 - ما رواه من طريق مسلم أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن رضي الله عنه: عمران بن حصين
وفسر هذا القول بأنه قال: "لو علمت بذلك ما صليت عليه" . "أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجزأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولا شديدا".
(13) 7 - ما رواه من طريق سعيد بن منصور داود ، عن عكرمة ، عن رضي الله عنهما قال: "الحيف والجنف في الوصية، والإضرار فيها من الكبائر" . ابن عباس
[ ص: 72 ] [ ص: 73 ] [ إسناده صحيح].
إلى غير ذلك من النصوص المأثورة في هذا الباب.
[ ص: 74 ] [ ص: 75 ]