المسألة الثانية: إذا اقترنت دعوى كل منهما بالبينة:
فللعلماء في ذلك قولان: [ ص: 319 ] إذا اختلف شخصان في هبة المريض هل هو في حال الصحة أو المرض، ولكل بينة،
القول الأول: ترجح بينة وقوعها في حال الصحة على بينة وقوعها في المرض.
وهو قول الحنفية.
وحجته:
1- أن الأصل اعتبار حالة المرض; لأنه حادث، والأصل إضافة الحادث إلى أقرب وقت من الحكم الذي يترتب عليه، والأقرب هو المرض المتأخر زمانه عن الصحة؛ فلهذا كانت البينة الراجحة بينة من يدعي حدوثها في زمان الصحة; إذ البينات شرعت لإثبات خلاف الأصل.
جاء في المادة (1766) من المجلة: "ترجح بينة الصحة على بينة المرض، مثلا: إذا وهب أحد ورثته ثم مات، وادعى باقي الورثة أنه وهبه في مرض موته، وادعى الموهوب له أنه وهبه في حال صحته، ترجح بينة الموهوب له".
القول الثاني: ترجح بينة وقوعها في مرضه على بينة وقوعها في صحته.
وهو قول الشافعية. [ ص: 320 ]
وحجته:
1- أن الأصل عدم الغرم.
2- أنها ناقلة عن الأصل، وأنها علمت ما لم تعلمه بينة الصحة.
القول الثالث: أنه ينظر إلى أعدل البينتين، فإن استوتا في العدالة سقطتا.
وبه قال بعض المالكية.
وحجته: أن زيادة العدالة مرجح، ومع التساوي ينتفي هذا المرجح.
وسبب الخلاف: تعارض المرجحات، فبينة الصحة يرجحها موافقتها للأصل والغالب، وبينة المرض يرجحها أنها ناقلة عن الأصل، وأنها علمت ما لم تعلمه بينة الصحة، فمن رجح بينة الصحة غلب الترجيح بموافقة الأصل، ومن رجح بينة المرض غلب الترجيح بالنقل عن الأصل، ومن قال بسقوطهما معا رأى تعادلهما في العدالة والمرجحات فتسقطان; ولهذا إذا كانت إحداهما أعدل فإنها تقدم.