المبحث الرابع: الرجوع بالإرث، أو الإهداء، ونحوه
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: إذا رجعت إلى الواهب عن طريق الإرث
اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أن أنها تحل له. الهبة إذا رجعت إلى ملك الواهب بالميراث
بل قال بهذا أكثر أهل العلم في الصدقة، كما قال "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن الرجل إذا تصدق بصدقة، ثم ورثها حلت له"، فالهبة من باب أولى. الترمذي:
بل حكى العيني الإجماع على ذلك في الصدقة، والهبة من باب أولى.
وهذا غير مسلم; فقد حكى الخلاف في هذه المسألة غيره من أهل [ ص: 214 ] العلم، حيث قال: (وقال بعضهم: الصدقة شيء لله جعلها لله، فإذا ورثها فيجب أن يصرفها في مثله) . كالترمذي
وقال (اختلفوا فيما إذا عادت الصدقة بالميراث إلى الرجل هل تحل له أم يلزمه أن يتصدق بها؟ والصحيح جواز أكلها للأثر والنظر) . ابن العربي:
والعيني نفسه نقل عن ابن التين أنه قال: (وشذت فرقة من أهل الظاهر فكرهت أخذها بالميراث، ورأوه من باب الرجوع في الصدقة، وهو سهو) .
ودليل ذلك:
1- حديث عن أبيه أنه قال: عبد الله بن بريدة، بينا أنا جالس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت، قال: فقال: وجب أجرك، وردها عليك الميراث".
وجه الدلالة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حكم للمرأة برجوع الجارية إلى ملكها بالميراث، وأوجب لها أجر الصدقة، ولم ينهها عن أخذها، ولم يأمرها بالصدقة بها مرة ثانية، مما يدل على إباحتها لها، والهبة من باب أولى.
2- أن الملك إذا تغاير تغايرت الأحكام، كما لو وهب غيره طعاما، فإنه يجوز للواهب أن يأكل عند الموهوب له من الهبة بالضيافة; لأن الملك لما انتقل غير الحكم.
يدل على ذلك: حديث -رضي الله عنه- وفيه أكل النبي -صلى الله عليه وسلم- من اللحم الذي تصدق به على أنس بريرة; لتغاير الملك حيث قال: . [ ص: 215 ] "هو عليها صدقة، وهو لنا هدية"
3- أن رجوع الهبة إلى ملك الواهب بالميراث لا خيار له فيه، تدخل إليه جبرا وقهرا، فلا تهمة في هذا، ولا مشابهة في الرجوع.
قال "وهذا لأن ملك الميراث جبري بخلاف غيره من جميع التمليكات". القرطبي:
* * *