الشرط الخامس عشر: أن لا يرهن الولد الهبة.
صورة ذلك: أن يهب شخص لولده هبة، فيرهن الولد تلك الهبة، فهل يفوت على الوالد الرجوع في تلك الهبة برهن الولد لها، أو لا يفوت عليه؟
القول الأول: أن ذلك يمنع الرجوع بشرط أن يكون المرتهن قد قبض الرهن، فإن لم يقبضه لم يمنع الرجوع; لأن الرهن لا يلزم إلا بالقبض; ولكن المنع هنا مؤقت متى انفك الرهن جاز للوالد أن يفسخ الهبة فيه.
وإلى هذا القول ذهب الشافعية، وهو إحدى الروايات عن رحمه الله. أحمد
إلا أن الشافعية يشترطون للفوات شرطا ثانيا، وهو ألا يكون المرتهن هو الوالد، فإن كان المرتهن هو الوالد فلا يمنع الرجوع بالارتهان; لأن العلة من جهته.
وعللوا لما ذهبوا إليه: بأن الفسخ يقتضي إبطال حق غير الولد، فلا يجوز.
القول الثاني: أن ذلك لا يمنع الرجوع.
وهو مقتضى مذهب الحنفية، والمالكية القائلين: بأن [ ص: 157 ] الموهوب ما دام في ملك الابن لم يتغير، فإنه يحق للوالد الرجوع فيه.
وهو إحدى الروايات عن أحمد.
وحجته: عموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما: وابن عمر فإنه يقتضي أن للأب أن يرجع على كل حال. "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما وهبه لولده"
الترجيح:
لعل الراجح -والله أعلم- هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وهو أن الرهن يمنع الرجوع منعا مؤقتا إلى فك الرهن; وذلك لما فيه من الجمع بين الأدلة، ومراعاة مصالح العاقدين; إذ فيه جمع بين عموم الحديث المبيح للرجوع، وحديث دفع الضرر القاضي بأن لا ضرر ولا ضرار.
وفيه كذلك مراعاة لمصلحة الوالد بحيث يمكنه أن يرجع في المرهون بعد فكه، وفيه مراعاة للمرتهن حتى لا يضيع حقه.
وفي حالة ما إذا لم يقض الولد الدين الذي رهن فيه الرهن فيباع الرهن لمصلحة المرتهن حتى يقضي حقه، فإن بقيت بقية من قيمته عن قضاء الدين; فيتجه أن يكون للأب الحق في العود فيها قياسا على الموهوب إذا نقص. والله أعلم.