الشرط الثامن: أن لا تنقص الهبة.
صورة ذلك: أن يهب شخص لولده شيئا من الأشياء فينقص ذلك [ ص: 135 ] الشيء; كأن يهب له برا فيأكل بعضه، أو دارا فيتهدم بعضها، أو شاة فتهزل، ونحو ذلك، فهل يمنع ذلك الأب من الرجوع؟.
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن ذلك لا يمنع رجوع الأب.
وبه قال جمهور العلماء: الحنفية، ومطرف من وابن الماجشون المالكية، والشافعية، والحنابلة.
وحجته:
1- عموم أدلة جواز رجوع الوالد فيما وهب لولده.
2- أن الوالد له أن يرجع في بعض ما وهب للموهوب له، مع بقائه بكماله، فكذلك إذا نقص.
3- أن العين إذا تلفت تلفت على الهبة، فكذلك إذا نقصت، وإذا كان الأمر كذلك، فإن نقصها لا يمنع الرجوع فيها لبقائها على ملكه. مالك
4- أن النقص ضرره على الأب (الواهب) وليس على الولد، فلا يمنع الأب من الفسخ; لكونه بعوده قد تحمل الضرر المترتب، ورضي به.
القول الثاني: أن ذلك يمنع من الرجوع، سواء كان ذلك معنويا كنسيان صنعة، أو حسيا كهزال السمين. [ ص: 136 ]
وهذا المشهور من مذهب المالكية.
وحجة ذلك:
1- أن تغير حال ذمة المعطى يقطع الاعتصار، فلأن يمنعه تغير الهبة في نفسها أولى وأحرى.
ونوقش: بالفرق بين المقيس والمقيس عليه، فإن تغير الذمة إنما كان مانعا من الفسخ; لأن العين ينتقل ملكها إلى غير الولد، فلا تكون للأب عليها سلطة، أما في حال النقص فإن العين باقية على ملك الولد، فلا يقطع ذلك سلطة الوالد عليها.
2- أن النقص تغير في الموهوب، والتغير فيه بالنقص يمنع الرجوع فيه كالزيادة المتصلة.
ونوقش: بأنه قياس مع الفارق; إذ في صورة الزيادة المتصلة حصل شيء جديد في ملك الموهوب له، بخلاف النقص فإنه لم يحصل به شيء زائد.
الترجيح:
يترجح -والله أعلم- ما ذهب إليه الجمهور; لعموم أدلة جواز رجوع الوالد فيما وهب لولده، والإجابة عما علل به القائلون بمنع الأب من الرجوع. والله أعلم.