المطلب الثاني: تكييف الهبة بشرط العوض
اختلف الفقهاء رحمهم الله في التكييف الفقهي للهبة بشرط العوض على أقوال:
القول الأول: أن الهبة بشرط العوض يغلب فيها حكم الهبة، فلا تثبت لها أحكام البيع الخاصة.
وهو رواية عن الإمام وانتصر لها أحمد، الحارثي.
القول الثاني: أن بيع ابتداء، وانتهاء. الهبة بشرط العوض
وهو قول جمهور أهل العلم من المالكية، والشافعية، والحنابلة.
القول الثالث: أن الهبة بشرط العوض هبة ابتداء، فإذا حصل تقابض أصبحت بيعا.
وهو قول الحنفية، وقول للشافعية، وقول للحنابلة.
الأدلة:
دليل القول الأول: (هبة مطلقا ) :
1 - ما تقدم عن الصحابة رضي الله عنهم - قريبا أن الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها.
[ ص: 399 ] وهذا يشمل الإثابة المجهولة مما يدل على أنها ليست بيعا للجهالة بالعوض.
2 - أن الهبة تارة تكون تبرعا، وتارة تكون بعوض، وكذلك العتق، ولا يخرجان عن موضوعهما.
دليل القول الثاني: (أنها بيع ) :
أن معنى البيع موجود في هذا العقد; لأن العقد تمليك العين بعوض وقد وجد، إلا أنه اختلفت العبارة، واختلافها لا يوجب اختلاف الحكم كحصول البيع بلفظ التمليك.
والقاعدة: أن العبرة في العقود بالمعاني، لا بالألفاظ والمباني.
دليل القول الثالث: (هبة ابتداء بيع انتهاء ) أنه قد وجد في هذا العقد لفظ الهبة، ومعنى البيع، فيعمل بالشبهين قدر الإمكان، فيعتبر فيه القبض والحيازة عملا بشبهه الهبة، ويثبت فيه حق الرد بالعيب، وعدم الرؤية، وحق الشفعة عملا بشبهه بالبيع.
ونوقش: أن العبرة بالعقود المعاني لا الألفاظ والمباني.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - القول الأول; لقوة دليلهم، وضعف دليل المخالف بمناقشته.
ثمرة الخلاف على قول الحنفية:
يترتب على قول الحنفية: أنه قبل القبض من الطرفين لا يجوز هبة المشاع - عندهم كما تقدم - الذي ينقسم، ولا يثبت الملك في كل واحد منهما، ولكل واحد منهما أن يرجع، أما إذا تقابضا فإن الهبة بعوض تكون [ ص: 400 ] بمنزلة البيع، فلكل منهما أن يرد بالعيب، وعدم الرؤية، وتجب الشفعة إذا كان غير منقول.